قال تعالى "وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى " في هذه الدنيا كالقحط والأسر والجلاء والخذلان والقتل وسائر المصائب فيها، وفسر أبو عبيدة العذاب الأدنى هذا بعذاب القبر وحكي أيضا عن مجاهد ولكن آخر الآية ينفيه ويصرفه لما ذكرناه، "دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ" الذي يوقعه فيكم يوم القيامة وهو الخلود بالنار "لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" ٢١ عن غيهم وبغيهم، أي لعل من سلم من تلك الآفات يرجع إلى الإيمان، أما من أصيب فمات فلا يدخل في هذا الترجي فلو كان المراد بالعذاب الأدنى عذاب القبر لما وجد تلاقيه بالرجوع ليرجى لهم إذ لا رجوع بعده إلى الدنيا "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ" الدالة على أنه واحد وعلى صحة وقوع البعث والجزاء "ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها" فلم يتدبرها وأصر على شركه، وثم هنا لاستبعاد الإعراض عنها عقلا مع غاية وضوحها وعليه قول جعفر بن علية الخارجي :
ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها
أي أن هذا لا أظلم منه فهو أظلم من كل ظالم إذ لا أكبر منه جرما "إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ" أمثاله المتوغلين في الإجرام "مُنْتَقِمُونَ" ٢٢ منهم بالعذاب الأكبر لأنهم لم يتعظوا بما لا قوه من عذاب الدنيا "وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ" التوراة "فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ" إليه ولا تشك في إلقاء مثل ذلك الكتاب وجنسه إليك من قبلنا فكما ألقينا إلى موسى وعيسى وداود الكتب