﴿خُلِقَ السموات﴾ [ السجدة : ٤ ] وعالم الأرواح بقوله :﴿يُدَبّرُ الأمر مِنَ السماء إِلَى الأرض﴾ قال :﴿عالم الغيب﴾ يعلم ما في الأرواح ﴿والشهادة﴾ يعلم ما في الأجسام أو نقول قال :﴿عالم الغيب﴾ إشارة إلى ما لم يكن بعد ﴿والشهادة﴾ إشارة إلى ما وجد وكان وقدم العلم بالغيب لأنه أقوى وأشد إنباء عن كمال العلم، ثم قال تعالى :﴿العزيز الرحيم﴾ لما بين أنه عالم ذكر أنه عزيز قادر على الانتقام من الكفرة رحيم واسع الرحمة على البررة، ثم قال تعالى :﴿الذى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْء خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ﴾ لما بين الدليل الدال على الوحدانية من الآفاق بقوله :﴿خُلِقَ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ وأتمه بتوابعه ومكملاته ذكر الدليل الدال عليها من الأنفس بقوله :﴿الذى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْء﴾ يعني أحسن كل شيء مما ذكره وبين أن الذي بين السموات والأرض خلقه وهو كذلك لأنك إذا نظرت إلى الأشياء رأيتها على ما ينبغي صلابة الأرض للنبات وسلاسة الهواء للاستنشاق وقبول الانشقاق لسهولة الاستطراق وسيلان الماء لنقدر عليه في كل موضع وحركة النار إلى فوق، لأنها لو كانت مثل الماء تتحرك يمنة ويسرة لاحترق العالم فخلقت طالبة لجهة فوق حيث لا شيء هناك يقبل الاحتراق وقوله :﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ﴾ قيل المراد آدم عليه السلام فإنه خلق من طين، ويمكن أن يقال بأن الطين ماء وتراب مجتمعان والآدمي أصله منى والمنى أصله غذاء، والأغذية إما حيوانية، وإما نباتية، والحيوانية بالآخرة ترجع إلى النباتية والنبات وجوده بالماء والتراب الذي هو طين.
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٨)


الصفحة التالية
Icon