قال ﴿وجعل لكم﴾ مخاطباً ولم يخاطب من قبل وذلك لأن الخطاب يكون مع الحي فلما قال :﴿وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ﴾ خاطبه من بعده وقال ﴿جعل لكم﴾، فإن قيل الخطاب واقع قبل ذلك كما في قوله تعالى :﴿وَمِنْ ءاياته أَنْ خَلَقَكُمْ مّن تُرَابٍ﴾ [ الروم : ٢٠ ] فنقول هناك لم يذكر الأمور المرتبة وإنما أشار إلى تمام الخلق، وههنا ذكر الأمور المرتبة وهي كون الإنسان طيناً ثم ماءً مهيناً ثم خلقاً مسوى بأنواع القوى مقوي فخاطب في بعض المراتب دون البعض.
المسألة الثانية :
الترتيب في السمع والأبصار والأفئدة على مقتضى الحكمة، وذلك لأن الإنسان يسمع أولاً من الأبوين أو الناس أموراً فيفهمها ثم يحصل له بسبب ذلك بصيرة فيبصر الأمور ويجريها ثم يحصل له بسبب ذلك إدراك تام وذهن كامل فيستخرج الأشياء من قبله ومثاله شخص يسمع من أستاذ شيئاً ثم يصير له أهلية مطالعة الكتب وفهم معانيها، ثم يصير له أهلية التصنيف فيكتب من قلبه كتاباً، فكذلك الإنسان يسمع ثم يطالع صحائف الموجودات ثم يعلم الأمور الخفية.
المسألة الثالثة :