وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ الم * تَنزِيلُ الكتاب ﴾
الإجماع على رفع "تَنْزِيلُ الْكِتَابِ" ولو كان منصوباً على المصدر لجاز ؛ كما قرأ الكوفيون :﴿ إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين * على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ العزيز الرحيم ﴾ [ ياس : ٣ ٥ ].
و"تَنْزِيلُ" رفع بالابتداء والخبر ﴿ لاَ رَيْبَ فِيهِ ﴾.
أو خبر على إضمار مبتدأ ؛ أي هذا تنزيل، أو المتلوّ تنزيل، أو هذه الحروف تنزيل.
ودلّت :﴿ الم ﴾ على ذكر الحروف.
ويجوز أن يكون "لاَ رَيْبَ فِيهِ" في موضع الحال من "الْكِتَابِ".
و﴿ مِن رَّبِّ العالمين ﴾ الخبر.
قال مكيّ : وهو أحسنها.
ومعنى :"لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ" لا شك فيه أنه من عند الله ؛ فليس بسحر ولا شعر ولا كهانة ولا أساطير الأوّلين.
قوله تعالى :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افتراه ﴾ هذه "أَمْ" المنقطعة التي تقدّر ببل وألف الاستفهام ؛ أي بل أيقولون.
وهي تدلّ على خروج من حديث إلى حديث ؛ فإنه عز وجلّ أثبت أنه تنزيل من رب العالمين، وأن ذلك مما لا ريب فيه، ثم أضرب عن ذلك إلى قوله :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افتراه ﴾ أي افتعله واختلقه.
﴿ بَلْ هُوَ الحق مِن رَّبِّكَ ﴾ كذّبهم في دعوى الافتراء.
﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً ﴾ قال قتادة : يعني قريشاً، كانوا أمّة أميّة لم يأتهم نذير من قبل محمد صلى الله عليه وسلم.
و"لِتُنْذِرَ" متعلق بما قبلها فلا يوقف على "مِنْ رَبِّكَ".
ويجوز أن يتعلق بمحذوف ؛ التقدير : أنزله لتنذر قوماً، فيجوز الوقف على "مِنْ رَبِّكَ".
و"ما" في قوله :﴿ مَّآ أَتَاهُم ﴾ نفي.
﴿ مِّن نَّذِيرٍ ﴾ صلة.
و"نَذِيرٍ" في محل الرفع، وهو المُعْلِم المُخَوِّف.
وقيل : المراد بالقوم أهل الفَترة بين عيسى ومحمد عليهما السلام ؛ قاله ابن عباس ومقاتل.
وقيل : كانت الحجة ثابتة لله جل وعز عليهم بإنذار من تقدّم من الرسل وإن لم يروْا رسولاً ؛ وقد تقدّم هذا المعنى. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ١٤ صـ ﴾