وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى :﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ﴾ خَبَرًا عَنْ الْمَحَلِّ الْأَوَّلِ الَّذِي نِيطَ بِهِ، وَخَلَقَ فِعْلَهُ فِيهِ.
وَقَالَ :﴿ وَلَوْ تَرَى إذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ ﴾، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ خَبَرًا عَنْ الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي تُبَاشِرُ فِيهَا ذَلِكَ.
فَالْأُولَى حَقِيقَةٌ عَقْلِيَّةٌ إلَهِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ حَقِيقَةٌ عُرْفِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِحُكْمِ الْمُبَاشَرَةِ.
وَقَالَ : مَلَكُ الْمَوْتِ إنْ بَاشَرَ مِثْلَهَا وَإِنْ أُمِرَ فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ : حَدَّ الْأَمِيرُ الزَّانِيَ وَعَاقَبَ الْجَانِيَ.
وَهَذِهِ نِهَايَةٌ فِي تَحْقِيقِ الْقَوْلِ.
قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : أَمَا إنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ التَّسَوُّرِ عَلَى الْمَعَانِي، وَدَفْعِ الْجَهْلِ عَنْهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمَقَاصِدِ فِي ذَلِكَ، فَيُقَالُ : إنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَأْخُذُ الْحَقَّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ قَسْرًا دُونَ
أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي ذَلِكَ فِعْلٌ أَوْ يَرْتَبِطَ بِهِ رِضًا إذَا وُجِدَ ذَلِكَ.
وَهُوَ التَّحْقِيقُ الْحَاضِرُ الْآنَ، وَتَمَامُهُ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ. أ هـ ﴿أحكام القرآن لابن العربى حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon