ولما نفى استواءهم، أتبعه حال كل على سبيل التفصيل معبراً بالجمع لأن الحكم بإرضائه وإسخاطه بفهم الحكم على الواحد منه من باب الأولى فقال :﴿أما الذين آمنوا وعملوا﴾ أي تصديقاً لإيمانهم ﴿الصالحات فلهم جنات المأوى﴾ أي الجنات المختصة دون الدنيا التي هي دار ممر، دون النار التي هي دار مفر لا مقر، بتأهلها للمأوى الكامل في هذا الوصف بما أشار إليه ب " ال " ثابتون فيها لا يبغون عنها حولاً، كما تبؤوا الإيمان الذي هو أهل للإقامة فلم يبغوا به بدلاً ﴿نزلاً﴾ أي عداداً لهم أول قدومهم في قول الحسن وعطاء، وهو أوفق للمقام كما يعد للضيف على ما لاح ﴿بما كانوا﴾ جبلة وطبعاً ﴿يعملون﴾ دائماً على وجه التجديد، فإن أعمالهم من رحمة ربهم، فإذا كانت هذه الجنات نزلاً فما ظنك بما بعد ذلك! وهو لعمري ما أشار إليه قوله ـ ﷺ ـ :" ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر " وهم كل لحظة في زيادة لأن قدرة الله لا نهاية لها، فإياك أن يخدعك خادع أو يغرك ملحد ﴿وأما الذين فسقوا﴾ أي خرجوا عن دائرة الإيمان الذي هو معدن التواضع وأهل للمصاحبة والملازمة ﴿فمأواهم النار﴾ أي التي لا صلاحية فيها للإيواء بوجه من الوجوه أصلاً.
ولما كان السامع جديراً بالعلم بأنهم مجتهدون في الخلاص منها، قال مستأنفاً لشرح حالهم :﴿كلما أرادوا﴾ أي وهم مجتهدون فكيف إذا أراد بعضهم ﴿أن يخرجوا منها﴾ وهذا يدل على أنه يزاد في عذابهم بأن يخيل إليهم ما يظنون به القدرة على الخروج منها كما كانوا يخرجون بفسوقهم من محيط الأدلة من دائرة الطاعات إلى بيداء المعاصي والزلات، فيعالجون الخروج فإذا ظنوا أنه تيسر لهم وهم بعد في غمراتها ﴿أعيدوا﴾ بأيسر أمر وأسهله من أيّ من أمر بذلك ﴿فيها﴾ إلى المكان الذي كانوا فيه أولاً، ولا يزال هذا دأبهم أبداً ﴿وقيل﴾ أي من أيّ قائل وكل بهم ﴿لهم﴾ أي عند الإعادة إهانة له :﴿ذوقوا عذاب النار ﴾.


الصفحة التالية
Icon