وقال أبو حيان فى الآيات السابقة :
﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ﴾
﴿ لآتينا كل نفس هداها ﴾ : أي اخترعنا الإيمان فيها، كقوله :﴿ أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً ﴾ و﴿ لجمعهم على الهدى ﴾ و﴿ لجعل الناس أمة واحدة ﴾ وقال الزمخشري : على طريق الإلجاء والقسر، ولكنا بنينا الأمر على الاختيار دون الاضطرار، فاستحبوا العمى على الهدى، فحقت كلمة العذاب على أهل العمى دون أهل البصر.
ألا ترى إلي ما عقبه به من قوله :﴿ فذوقوا بما نسيتم ﴾ ؟ فجعل ذوق العذاب نتيجة فعلهم من نسيان العاقبة وقلة الفكر فيها، وترك الاستعداد لها.
والمراد بالنسيان : خلاف التذكر، يعني : أن الانهماك في الشهوات أنهككم وألهاكم عن تذكر العاقبة، وسلط عليكم نسيانها.
ثم قال :﴿ إنا نسيناكم ﴾ على المقابلة : أي جازيناكم جزاء نسيانكم.
وقيل : هو بمعنى الترك، قاله ابن عباس وغيره، أي تركتم الفكر في العاقبة، فتركناكم من الرحمة. انتهى.
وقوله : على طريق الإلجاء والقسر، هو قول المعتزلة.
وقالت الإمامية : يجوز أن يريد هداها إلى طريق الجنة في الآخرة، ولم يعاقب أحداً، لكن حق القول منه أن يملأ جهنم، فلا يجب على الله هداية الكل إليها.
قالوا : بل الواجب هداية المعصومين ؛ فأما من له ذنب، فجائز هدايته إلى النار جزاء على أفعاله، وفي جواز ذلك منع لقطعهم على أن المراد هداها إلى الإيمان. انتهى.
و﴿ هذا ﴾ : صفة ليومكم، ومفعول ﴿ فذوقوا ﴾ محذوف، أو مفعول فذوقوا هذا العذاب بسبب نسيانكم ﴿ لقاء يومكم هذا ﴾، وهو ما أنتم فيه من نكس الرؤوس والخزي والغم ؛ أو ذوقوا العذاب المخلد في جهنم.
وفي استئناف قوله :﴿ إنا نسيناكم ﴾، وبناء الفعل على إن واسمها تشديد في الانتقام منهم.