فصل


قال الفخر :
ولما أعاد ذكر الرسالة أعاد ذكر التوحيد، فقال تعالى :﴿أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ﴾ وقوله :﴿يَمْشُونَ فِى مساكنهم﴾ زيادة إبانة، أي مساكن المهلكين دالة على حالهم وأنتم تمشون فيها وتبصرونها، وقوله تعالى :﴿إِنَّ فِى ذَلِكَ لأَيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ﴾ اعتبر فيه السمع، لأنهم ما كان لهم قوة الإدراك بأنفسهم والاستنباط بعقولهم، فقال أفلا يسمعون، يعني ليس لهم درجة المتعلم الذي يسمع الشيء ويفهمه.
قوله تعالى :﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ الماء إِلَى الأرض الجرز﴾
لما بين الإهلاك وهو الإماتة بين الإحياء ليكون إشارة إلى أن الضر والنفع بيد الله، والجرز الأرض اليابسة التي لا نبات فيها والجرز هو القطع وكأنها المقطوع عنها الماء والنبات.
ثم قال تعالى :﴿فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أنعامهم وَأَنفُسُهُمْ﴾ قدم الأنعام على الأنفس في الأكل لوجوه أحدها : أن الزرع أول ما ينبت يصلح للدواب ولا يصلح للإنسان والثاني : وهو أن الزرع غذاء الدواب وهو لا بد منه.
وأما غذاء الإنسان فقد يحصل من الحيوان، فكأن الحيوان يأكل الزرع، ثم الإنسان يأكل من الحيوان الثالث : إشارة إلى أن الأكل من ذوات الدواب والإنسان يأكل بحيوانيته أو بما فيه من القوة العقلية فكماله بالعبادة.


الصفحة التالية
Icon