قال تعالى "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ" قبل النهي قصدا لأنكم لا تعلمون انه ينهى عنه كما لا يؤاخذكم إذا أخطأتم بعد النبي سهوا أو نسيانا "وَلكِنْ" الذي يؤاخذكم عليه هو "ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ" عليه وعملتم به بعد النهي ففيه الإثم عليكم "وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً" ولم يزل لمن يخطىء أو يجرم إن شاء "رَحِيماً" (٥) بعباده يعاملهم بعفوه وحلمه.
روى البخاري ومسلم عن سعد ابن أبي وقاص وأبي بكرة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم قال : من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة حرام عليه.
وجاء عنه ملعون من ادعى إلى غير مواليه، ملعون من انتسب لغير آبائه.
ولهذا ورد عنه صلّى اللّه عليه وسلم الناس مأمونون على أنسابهم.
وبعد ان تبين ان الذي ينتسب إلى غير آبائه ملعون لا يتصور أن يجرؤ قصدا على الانتساب زورا لغير آبائه، ويختار
اللعن استحقاقا بنصّ الحديث المار ذكره، وعليه فان من أراد أن يكذب وينتسب قصدا أو رياء ليظهر للناس انه ذر نسب فيستحق اللعن وما هو بنافعه، لأن من لم يجعل اللّه له نورا فما له من نور لا بنسب ولا بغيره، على أن الأدب قد يغني عن النسب فيما يريده.
قال غسان بن سعيد في ذلك :
من خانه حسب فليطلب الأدبا فقيه منيته إن حل أو ذهبا
فاطلب لنفسك آدابا تعزّ بها كيما تسود بها من يملك الذهبا
أما النسب فلا يغني عن الأدب، راجع الآية ١٠١ من سورة المؤمنين في ج ٢ وما ترشدك اليه.
ورويا عن ابن عمر قال ان زيد بن حارثة مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى نزلت هذه الآية فانتهينا.
قال تعالى "النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" أي بعضهم من بعض فتكون طاعتهم له أولى من طاعة أنفسهم، لأنه لا يدعوهم إلا إلى ما فيه نفعهم.


الصفحة التالية
Icon