ويتناول الشوط الثاني بيان نعمة الله على المؤمنين، إذ رد عنهم كيد الأحزاب والمهاجمين. ثم يأخذ في تصوير وقعتي الأحزاب وبني قريظة تصويرا حيا، في مشاهد متعاقبة، ترسم المشاعر الباطنة، والحركات الظاهرة، والحوار بين الجماعات والأفراد. وفي خلال رسم المعركة وتطوراتها تجيء التوجيهات في موضعها المناسب ; وتجيء التعقيبات على الأحداث مقررة للمنهج القرآني في إنشاء القيم الثابتة التي يقررها للحياة، من خلال ما وقع فعلا، وما جاش في الأخلاد والضمائر.
وطريقة القرآن الدائمة في مثل هذه الوقائع التي يتخذ منها وسيلة لبناء النفوس، وتقرير القيم، ووضعالموازين وإنشاء التصورات التي يريد لها أن تسود.. طريقة القرآن في مثل هذه الوقائع أن يرسم الحركة التي وقعت، ويرسم معها المشاعر الظاهرة والباطنة، ويسلط عليها الأضواء التي تكشف زواياها وخباياها. ثم يقول للمؤمنين حكمه على ما وقع، ونقده لما فيه من خطأ وانحراف، وثناءه على ما فيه من صواب واستقامة، وتوجيهه لتدارك الخطأ والانحراف، وتنمية الصواب والاستقامة. وربط هذا كله بقدر الله وإرادته وعمله ونهجه المستقيم، وبفطرة النفس، ونواميس الوجود.
وهكذا نجد وصف المعركة يبدأ بقوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها، وكان الله بما تعملون بصيرا).. ويتوسطها قوله. (قل: لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذن لا تمتعون إلا قليلا. قل: من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة. ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا).. وبقوله:(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا).. ويختمها بقوله:(ليجزي الله الصادقين بصدقهم، ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم إن الله كان غفورا رحيما)..