ولما اشتدت العناية هنا بالوحي، وكان الموحي معلوماً من آيات كثيرة، بني للمفعول قوله :﴿ما يوحى﴾ أي يلقى إلقاء خفياً كما يفعل المحب مع حبيبه ﴿إليك﴾ وأتى موضع الضمير بظاهر يدل على الإحسان في التربية لينوي على امتثال ما أمرت به الآية السالفة فقال :﴿من ربك﴾ أي المحسن إليك بصلاح جميع أمرك، فمهما أمرك به فافعله لربك لا لهم، ومهما نهاك عنه فكذلك، سواء كان إقبالاً عليهم أو إعراضاً عنهم أو غير ذلك.
ولما أمره باتباع الوحي، رغبة فيه بالتعليل بأوضح من التعليل الأول في أن مكرهم خفي، فقال مذكراً بالاسم الأعظم بجميع ما يدل عليه من الأسماء الحسنى زيادة في التقوية على الامتثال، مؤكداً للترغيب كما تقدم، وإشارة إلى أنه مما يستبعده بعض المخاطبين في قراءة الخطاب لغير أبي عمرو :﴿إن الله﴾ أي بعظمته وكماله ﴿كان﴾ دائماً ﴿بما تعملون﴾ أي الفريقان من المكايد وإن دق ﴿خبيراً﴾ فلا تهتم بشأنهم، فإنه سبحانه كافيكه وإن تعاظم، وعلى قراءة أبي عمرو بالغيب يكون هذا التعليل حثاً على الإخلاص، وتحقيقاً لأنه قادر على الإصلاح وإن أعيى الخلاص، ونفياً لما قد يعتري النفوس من الزلزال، في أوقات الاختلال.
ولما كان الآدمي موضع الحاجة إلى تعظيم الترجية قال :﴿وتوكل﴾ أي دع الاعتماد على التدبير في أمورك واعتمد فيها ﴿على الله﴾ المحيط علماً وقدرة، ولتكرير هذا الاسم الجامع لجميع معاني الأسماء في هذا المقام شأن لا يخفى كما أشير إليه.
ولما كان التقدير : فإنه يكفيك في جميع ذلك، عطف عليه قوله :﴿وكفى بالله﴾ أي الذي له الأمر كله على الإطلاق ﴿وكيلاً﴾ أي إنه لا أكفى منه لكل من وكله في أمره، فلا تلتفت في شيء من أمرك إلى شيء لأنه ليس لك قلبان تصرف كلاً منهما إلى واحد. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٦ صـ ٦٧ ـ ٧٢﴾