وأما قول الشارع ( فهو ) حق والذي يؤيده هو أن الشارع به الحقائق حقائق فله أن يتصرف فيها، ألا ترى أن الأم ما صارت أماً إلا بخلق الله الولد في رحمها، ولو خلقه في جوف غيرها لكانت الأم غيرها، فإذا كان هو الذي يجعل الأم الحقيقية أماً فله أن يسمى امرأة أماً ويعطيها حكم الأمومة، والمعقول في جعل أزواجه أمهاتنا هو أن الله تعالى جعل زوجة الأب محرمة على الابن، لأن الزوجة محل الغيرة والتنازع فيها، فإن تزوج الابن بمن كانت تحت الأب يفضي ذلك إلى قطع الرحم والعقوق، لكن النبي عليه الصلاة والسلام أشرف وأعلى درجة من الأب وأولى بالإرضاء، فإن الأب يربي في الدنيا فحسب، والنبي عليه الصلاة والسلام يربي في الدنيا والآخرة، فوجب أن تكون زوجاته مثل زوجات الآباء، فإن قال قائل : فلم لم يقل إن النبي أبوكم ويحصل هذا المعنى، أو لم يقل إن أزواجه أزواج أبيكم فنقول لحكمة، وهي أن النبي لما بينا أنه إذا أراد زوجة واحد من الأمة وجب عليه تركها ليتزوج بها النبي عليه الصلاة والسلام، فلو قال أنت أبوهم لحرم عليه زوجات المؤمنين على التأبيد، ولأنه لما جعله أولى بهم من أنفسهم والنفس مقدم على الأب لقوله عليه الصلاة والسلام :" ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " ولذلك فإن المحتاج إلى القوت لا يجب عليه صرفه إلى الأب، ويجب عليه صرفه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ثم إن أزواجه لهم حكم زوجات الأب حتى لا تحرم أولادهن على المؤمنين ولا أخواتهن ولا أمهاتهن، وإن كان الكل يحرمن في الأم الحقيقية والرضاعية.