إلى جانبهن غاية الالتفات وكيف وهو مشغول بعبادة ربه، ومنها قوله عليه السلام :﴿وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً﴾ إشارة إلى ما ذكرنا، فإن السراح الجميل مع التأذي القوي لا يجتمع في العادة، فعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام ما كان يتأثر من اختيارهن فراقه بدليل أن التسريح الجميل منه، ومنها قوله :﴿وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الله﴾ إعلاماً لهن بأن في اختيار النبي عليه السلام اختيار الله ورسوله والدار الآخرة وهذه الثلاثة هي الدين وقوله :﴿أَعَدَّ للمحسنات مِنكُنَّ﴾ أي لمن عمل صالحاً منكن، وقوله :﴿تُرِدْنَ الله وَرَسُولَهُ والدار الأخرة﴾ فيه معنى الإيمان، وقوله :﴿للمحسنات﴾ لبيان الإحسان حتى تكون الآية في المعنى، كقوله تعالى :
﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [ لقمان : ٢٢ ] وقوله تعالى :﴿مَنْ ءامَنَ وَعَمِلَ صالحا﴾ [ الكهف : ٨٨ ] وقوله :﴿الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ [ البقرة : ٨٢ ] والأجر العظيم الكبير في الذات الحسن في الصفات الباقي في الأوقات، وذلك لأن العظيم في الأجسام لا يطلق إلا على الزائد في الطول وفي العرض وفي العمق، حتى لو كان زائداً في الطول يقال له طويل، ولو كان زائداً في العرض يقال له عريض، وكذلك العميق، فإذا وجدت الأمور الثلاثة قيل عظيم، فيقال جبل عظيم إذا كان عالياً ممتداً في الجهات، وإن كان مرتفعاً فحسب يقال جبل عال، إذا عرفت هذا فأجر الدنيا في ذاته قليل وفي صفاته غير خال عن جهة قبح، لما في مأكوله من الضرر والثقل، وكذلك في مشروبه وغيره من اللذات وغير دائم، وأجر الآخرة كثير خال عن جهات القبح دائم فهو عظيم.
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (٣٠)