ولما أتى سبحانه بهذه العبارة الحكيمة الصالحة مع البيان للتبعيض ترهيباً في ترغيب، أحسن كلهن وحققن بما تخلقن به أن من للبيان، فإن النبي ـ ﷺ ـ عرض عليهن ـ رضى الله عنه ـ ن ذلك، وبدأ بعائشة ـ رضى الله عنه ـ ا رأس المحسنات إذ ذاك ـ رضى الله عنه ـ ا وعن أبيها وقال لها :" إني قائل لك أمراً فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أوبويك "، فلما تلاها عليها قالت منكرة لتوقفها في الخبر : أفي هذا أستأمر أبوي، فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة، ثم عرض ذلك على جميع أزواجه فاقتدين كلهن بعائشة ـ رضى الله عنه ـ ن فكانت لهن إماماً فنالت إلى أجرها مثل أجورهن - روى ذلك البخاري وغيره عن عائشة ـ رضى الله عنه ـ ا، وسبب ذلك أنه ـ ﷺ ـ وجد على نسائه ـ رضى الله عنه ـ ن فآلى منهن شهراً، فلما انقضى الشهر نزل إليهن من غرفة كان اعتزل فيها وقد أنزل الله عليه الآيات.
فخيرهن فاخترنه ـ رضى الله عنه ـ ن، وسبب ذلك أن منهن من سأل التوسع في النفقة، وقد كان النبي ـ ﷺ ـ لا يحب التوسع في الدنيا، روى الشيخان ـ رضى الله عنهما ـ عن عائشة ـ رضى الله عنه ـ ا قالت : ما شبع آل محمد ـ ﷺ ـ، من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله ـ ﷺ ـ، وروى الحديث البيهقي ولفظه : قالت : ما شبع رسول الله ـ ﷺ ـ ثلاثة أيام متوالية ولو شئنا لشبعنا، ولكنه كان يؤثر على نفسه، وروى الطبراني في الأوسط عنها أيضاً ـ رضى الله عنه ـ ا قالت : قال رسول الله ـ ﷺ ـ :" من سأل عني أو سره أن ينظر إلي فلينظر إليّ أشعث شاحب لم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فشمر إليه، اليوم المضمار وغداً السباق، والغاية الجنة أو النار ".


الصفحة التالية
Icon