فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" (١). وفي الحديث الآخر :"والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار" (٢).
[وفي الترمذي عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، عن النبي ﷺ، قال :"إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء".
وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله ﷺ :"ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه. فاتقوا النار ولو بشق تمرة".
وفي حديث أبي ذر أنه قال : سألت رسول الله ﷺ ماذا ينجي العبد من النار ؟ قال :"الإيمان بالله". قلت : يا نبي الله، مع الإيمان عمل ؟ قال :"ترضخ مما خوَّلك الله"، أو "ترضخ مما رزقك الله" ؛ ولهذا لما خطب النبي ﷺ يوم العيد قال في خطبته :"يا معشر النساء تصدَّقْنَ ولو من حليكن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار". وكأنه حثهن ورغبهن على ما يفدين به أنفسهن من النار، وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه : ذكر لي أن الأعمال تتباهى، فتقول الصدقة : أنا أفضلكم.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : ضرب رسول الله ﷺ، مثل البخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، أو جنتان من حديد. قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما، فجعل المتصدق، كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه، حتى تغشى أنامله، وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما همَّ بصدقة قلصت، وأخذت كل حلقة مكانها. قال أبو هريرة : فأنا رأيت رسول الله ﷺ يقول بإصبعه هكذا في جيبه. فلو رأيته يوسعها ولا يتسع. وقد قال تعالى :﴿ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [التغابن : ١٦] فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده. كما قيل :

(١) صحيح البخاري برقم (١٤٢٣) وصحيح مسلم برقم (١٠٣١).
(٢) رواه الترمذي في السنن برقم (٦١٤) من حديث كعب بن عجرة، رضي الله عنه، وقال :"هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه" ورواه أحمد في المسند ٣/٣٢١ من حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنه، ورواه الترمذي في السنن برقم (٢٦١٦) وابن ماجه في السنن برقم (٣٩٧٣) من حديث معاذ، رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon