وقرأ عبد الله ﴿ بَلَغُواْ ﴾ فعلاً ماضياً، وقرأ أبي ﴿ رِسَالَةَ ﴾ على التوحيد لجعل الرسالات المتعددة لاتفاقها في الأصول وكونها من الله تعالى بمنزلة شيء واحد وإن اختلفت أحكامها ﴿ وَيَخْشَوْنَهُ ﴾ أي يخافونه تعالى في كل ما يأتون ويذرون لا سيما في أمر تبليغ الرسالة ﴿ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله ﴾ في وصفهم بقصرهم الخشية على الله تعالى تعريض بما صدر عنه عليه الصلاة والسلام من الاحتراز عن لائمة الناس من حيث أن إخوانه المرسلين لم تكن سيرتهم التي ينبغي الاقتداء بها ذلك، وهذا كالتأكيد لماتقدم من التصريح في قوله سبحانه :﴿ وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تخشاه ﴾ [ الأحزاب : ٧ ٣ ] وتوهم بعضهم أن منشأ التعريض توصيف الأنبياء بتبليغ الرسالات وحمل الخشية على الخشية في أمر التبليغ لوقوعها في سياقه وفيه ما لا يخفى ﴿ وكفى بالله حَسِيباً ﴾ أي كافياً للمخاوف أو محاسباً على الكبائر والصغائر من أفعال القلب والجوارح فلا ينبغي أن يخشى غيره، والإظهار في مقام الإضمار لما في هذا الاسم الجليل ما ليس في الضمير، واستدل بالآية على عدم جواز التقية على الأنبياء عليهم السلام مطلقاً، وخص ذلك بعض الشيعة في تبليغ الرسالة وجعلوا ما وقع منه ﷺ في هذه القصة المشار إليه بقوله تعالى :﴿ وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تخشاه ﴾ بناء على أن الخشية فيه بمعنى الخوف لا على أن المراد الاستحياء من قول الناس تزوج زوجة ابنه كما قاله ابن فورك من التقية الجائزة حيث لم تكن في تبليغ الرسالة، ولا فرق عندهم بين خوف المقالة القبيحة وإساءة الظن وبين خوف المضار في أن كلا يبيح التقية فيما لا يتعلق بالتبليغ، ولهم في التقية كلام طويل وهي لأغراضهم ظل ظليل، والمتتبع لكتب الفرق يعرف أن قد وقع فيها إفراط وتفريط وصواب وتخليط وإن أهل السنة والجماعة قد سلكوا فيها الطريق الوسط وهو الطريق الأسلم الأمين سالكه