والمراد بـ ﴿ الذين خلوا ﴾ : الأنبياء بقرينة سياق لفظ النبي، أي الذين خلوا من قبل النبوءة، وقد زاده بياناً قوله :﴿ الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ﴾، فالأنبياء كانوا متزوجين وكان لكثير منهم عدة أزواج، وكان بعض أزواجهم أحب إليهم من بعضهن.
فإن وقفنا عند ما جاء في هذه الآية وما بيّنته الآثار الصحيحة فالعبرة بأحوال جميع الأنبياء.
وإن تلقَّيْنا بشيء من الإغضاء بعضَ الآثار الضعيفة التي أُلصِقت بقصة تزوج زينب كان داود عليه السلام عبرة بالخصوص فقد كانت له زوجات كثيرات وكان قد أحب أن يتزوج زَوجة ( أوريا ) وهي التي ضرب الله لها مثلاً بالخصم الذين تسَوّرُوا المحراب وتشاكوا بين يديه.
وستأتي في سورة ص، وقد ذكرت القصة في "سفر الملوك".
ومحلّ التمثيل بداود في أصل انصراف رغبته إلى امرأة لم تكن حلالاً له فصارت حلالاً له، وليس محلّ التمثيل فيما حَفّ بقصة داود من لوم الله إياه على ذلك كما قال:
﴿ وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه ﴾ [ ص : ٢٤ ] الآية لأن ذلك منتففٍ في قصة تزوّج زينب.
وجملة ﴿ وكان أمر الله قدراً مقدوراً ﴾ معترضة بين الموصول والصفة إن كانت جملة ﴿ الذين يبلغون ﴾ صفة ل ﴿ الذين خلوا من قبل ﴾، أو تذييل مثل جملة ﴿ وكان أمر الله مفعولا ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ] إن كانت جملة ﴿ الذين يبلغون ﴾ مستأنفة كما سيأتي، والقول فيه مثل نظيره المتقدم آنفاً.
والقَدَر بفتح الدال : إيجاد الأشياء على صفة مقصودة وهو مشتق من القَدْر بسكون الدال وهو الكمية المحددة المضبوطة، وتقدم في قوله تعالى :﴿ فسالت أودية بقدرها ﴾ في سورة الرعد ( ١٧ ) وقوله :﴿ وما ننزله إلا بقدر معلوم ﴾ في سورة الحجر ( ٢١ ).
ولما كان من لوازم هذا المعنى أن يكون مضبوطاً محكماً كثرت الكناية بالقدَر عن الإِتقان والصدور عن العلم.
ومنه حديث : كل شيء بقضاء وقَدر، أي من الله.