وقوله تعالى :﴿ سُنَّةَ الله فِي الذين خَلَوْاْ مِن قَبْلُ... ﴾ [ الأحزاب : ٣٨ ] أي : إخوانه من الرسل السابقين، أو فيما كان قبل الإسلام من التعدُّد، فلم يكُنْ رسول الله بدَعاً في هذه المسألة.
﴿ وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً ﴾ [ الأحزاب : ٣٨ ] تلحظ أن الآية السابقة خُتِمَتْ بقوله تعالى :﴿ وَكَانَ أَمْرُ الله مَفْعُولاً ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ] فلقائل أن يقول نعم مفعولاً في هذا الوقت الذي حدثتْ فيه هذه الأحداث ؛ لذلك قال هنا ﴿ وَكَانَ أَمْرُ الله قَدَراً مَّقْدُوراً ﴾ [ الأحزاب : ٣٨ ] أي : أن ما حدث لرسول الله كان مقدراً أزلاً، ولا شيء يخرج عن تقدير الله، وقد صَحَّ أن القلم قد جَفَّ على ما كُتِب، وعلى ما قُدِر.
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (٣٩)
وكأن الحق سبحانه يُعيدنا إلى قوله تعالى في نبيه محمد :﴿ وَتَخْشَى الناس والله أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ... ﴾ [ الأحزاب : ٣٧ ] فالرسل لا يخشوْنَ شيئاً في البلاغ عن الله، فكأنه تعالى نفى عن الرسول ﷺ أن تكون خشيته في البلاغ، إنما خشيته استحياؤه مخافة أنْ تلوكه ألسنة قومه، وإلاَّ فَهُمْ لا يملكون له شيئاً يضره أو يخيفه.
نلحظ هنا أن ﴿ الذين يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ الله وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله... ﴾ [ الأحزاب : ٣٩ ] هذه العبارة مبتدأ لم يُخبر عنه ؛ لأن قوله تعالى ﴿ وكفى بالله حَسِيباً ﴾ [ الأحزاب : ٣٩ ] ليس خبراً لهذا المبتدأ، إنما هو تعليق عليه، فأين خبر هذا المبتدأ؟ قالوا : تقديره، الذين يُبلِّغون رسالات الله.. لا يمكن أنْ يُتَّهموا بأنهم خشنوا الناس من أجل البلاغ.


الصفحة التالية
Icon