ونزل القرآن فيكن، فكما أنه عليه السلام ليس كأحد من الرجال، كما قال عليه السلام :" لست كأحدكم "، كذلك زوجاته اللاتي تشرفن به.
وقال الزمخشري : أحد في الأصل بمعنى وحد، وهو الواحد ؛ ثم وضع في النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه، والمعنى : لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء، أي إذا تقصيت أمة النساء جماعة جماعة، لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة، ومنه قوله عز وجل :﴿ والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم ﴾ يريد بين جماعة واحدة منهم، تسوية بين جميعهم في أنهم على الحق المبين. انتهى.
أما قوله : أحد في الأصل بمعنى : وحد، وهو الواحد فصحيح.
وأما قوله : ثم وضع، إلى قوله : وما وراءه، فليس بصحيح، لأن الذي يستعمل في النفي العام مدلوله غير مدلول واحداً، لأن واحد ينطلق على كل شيء اتصف بالوحدة، وأحد المستعمل في النفي العام مخصوص بمن يعقل.
وذكر النحويون أن مادته همزة وحاء ودال، ومادة أحد بمعنى وحد أصله واو وحاء ودال، فقد اختلفا مادة ومدلولاً.
وأما قوله :﴿ لستن ﴾ كجماعة واحدة، فقد قلنا : إن قوله ﴿ لستن ﴾ معناه : ليست كل واحدة منكن، فهو حكم على كل واحدة واحدة، ليس حكماً على المجموع من حيث هو مجموع.
وقلنا : إن معنى كأحد : كشخص واحد، فأبقينا أحداً على موضوعه من التذكير، ولم نتأوله بجماعة واحدة.
وأما ﴿ ولم يفرقوا بين أحد منهم ﴾ فاحتمل أن يكون الذي للنفي العام، ولذلك جاء في سياق النفي، فعم وصلحت البينية للعموم.
واحتمل أن يكون أحد بمعنى واحد، ويكون قد حذف معطوف، أي بين واحد وواحد من رسله، كما قال الشاعر :
فما كان بين الخير لوجا سالماً...
أبو حجر إلا ليال قلائل
أي : لستن مثلهن إن اتقيتن الله، وذلك لما انضاف مع تقوى الله من صحبة الرسول وعظيم المحل منه، ونزول القرآن في بيتهن وفي حقهن.


الصفحة التالية
Icon