والحاصل أنه لا يأتي بعده نبي بشرع جديد مطلقاً ولا يتجدد بعده أيضاً استنباء نبي مطلقاً، فقد آل الأمر إلى أن التقدير : ما كان محمد بحيث يتجدد بعده نبوة برسالة ولا غيرها ولكنه كان - مع أنه رسول الله - ختاماً للنبوة غير أنه سيق على الوجه المعجز لما تقدم من النكت وغيرها، وهذه الآية مثبتة لكونه خاتماً على أبلغ وجه وأعظمه، وذلك أنها في سياق الإنكار لأن يكون بنيه أحد من رجالهم بنوة حقيقية أو مجازية بغير جهة الإدلاء بأنثى أو كونه رسولاً وخاتماً، صوناً لمقام النبوة أن يتجدد بعده لأحد لأنه لو كان ذلك بشر لم يكن إلا ولداً له، وإنما أوثرت إماتة أولاده عليه الصلاة والسلام وتأثير قلبه الشريف بها إعلاء لمقامه أن يتسنمه أحد كائناً من كان، وذلك لأن فائدة إتيان النبي تتميم شيء لم يأت به من قبله، وقد حصل به ـ ﷺ ـ التمام فلم يبق بعد ذلك مرام " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وأما تجديد ما وهى بما أحدثه بعض الفسقة فالعلماء كافون فيه لوجود ما خص به ـ ﷺ ـ من هذا القرآن المعجز الذي من سمعه فكأنما سمعه من الله، لوقوع التحقق والقطع بأنه لا يقدر غيره أن يقول شيئاً منه، فمهما حصل ذهول عن ذلك قروه من يريد الله من العلماء، فيعود الاستبصار كما روي في بعض الآثار " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " وأما إتيان عيسى عليه الصلاة والسلام بعد تجديد المهدي ـ رضى الله عنه ـ لجميع ما وهن من أركان المكارم فلأجل فتنة الدجال ثم طامة ياجوج وماجوج ونحو ذلك مما لا يستقل بأعبائه غير نبي، وما أحسن ما نقل عن حسان بن ثابت ـ رضى الله عنه ـ في مرثيته لإبراهيم ابن النبي ـ ﷺ ـ حيث قال :
مضى ابنك محمود العواقب لم يشب...
بعيب ولم يذمم بقول ولا فعل
رأى أنه إن عاش ساواك في العلا...
فآثر أن يبقى وحيداً بلا مثل


الصفحة التالية
Icon