ولما تقدمت هذه الأوصاف الحسنى، وكان تطبيق ثمراتها عليها في الذروة، من العلو، وكان الشاهد هو البينة، فكان كأنه قيل : فأقم الأدلة النيرة، وادع وأنذر كل من خالف أمرك، وكان المقام لخطاب المقبلين، طوى هذا المقدر لأنه للمعرضين، ودل عليه بقوله عاطفاً عليه :﴿وبشر المؤمنين﴾ أي الذين صح لهم هذا الوصف.
فإنك مبشر ﴿بأن لهم﴾ وبين عظمة هذه البشرى بقوله :﴿من الله﴾ أي الذي له جميع صفات العظمة ﴿فضلاً كبيراً﴾ أي من جهة النفاسة ومن جهة التضعيف من عشرة أمثال الحسنة إلى ما لا يعلمه إلا الله.
ولما أمره سبحانه بما يسر نهاه عما يضر، فقال ذاكراً ثمرة النذارة :﴿ولا تطع الكافرين﴾ أي المشاققين ﴿والمنافقين﴾ أي لا تترك إبلاغ شيء مما أنزلته إليك من الإنزال، وغيره كراهة شيء من مقالهم أو فعالهم في أمر زينب أو غيرها، فإنك نذير لهم، وزاد على ما في أول السورة محط الفائدة في قوله مصرحاً بما اقتضاه ما قبله :﴿ودع﴾ أي اترك على حالة حسنة بك وأمر جميل لك ﴿أذاهم﴾ فلا تراقبه في شيء، ولا تحسب له حساباً أصلاً، واصبر عليه فإنه غير ضائرك لأن الله دافع عنك لأنك داع بإذنه.
ولما كان ترك المؤذي، والإعراض عنه استسلاماً في غاية المشقة، ذكره بالدواء فقال :﴿وتوكل على الله﴾ أي الملك الأعلى في الانتصار لك منهم وإبلاغ جميع ما يأمرك به وفي جميع أمرك لأن الله متم نورك ومظهر دينك والاكتفاء به من ثمرات إنارته لك بجعلك سراجاً، ولما كان الوكيل قد لا ينهض بجميع الأمور، قال معلماً بأن كفايته محيطه :﴿وكفى﴾ وأكد أمر الكفاية بإيجاد الباء في الفاعل تحقيقاً لكونه فاعلاً كما مضى في آخر سورة الرعد فقال :﴿بالله﴾ أي الذي له الإحاطة الكاملة، وميز النسبة بالفاعل في الأصل لزيادة التأكيد في تحقيق معنى الفاعل فقال :﴿وكيلاً﴾ فمن اكتفى به أنار له جميع أمره. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٦ صـ ١١٥ ـ ١١٧﴾