فقال ناهياً لمن هو في أدنى أسنان الإيمان بعد بشارة المؤمنين قاطعاً لهم عما كانوا يشتدون به في التحجر على المرأة المطلقة لقصد مضاجرتها أو تمام التمكن من التحكم فيه :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي ادعوا ذلك ﴿إذا نكحتم﴾ أي عاقدتم، أطلق اسم المسبب على السبب فقد صار فيه حقيقة شرعية ﴿المؤمنات﴾ أي الموصوفات بهذا الوصف الشريف المقتضي لغاية الرغبة فيهن وأتم الوصلة بينكم وبينهن.
ولما كان طول مدة الحبس بالعقد من غير جماع لا يغير الحكم في العدة وإن غيرها في النسب بمجرد إمكان الوطىء، وكان الطلاق لا يكون إلا بعد النكاح وبعد حل الوطىء بالنكاح، أشار إليه بحرف التراخي فقال :﴿ثم طلقتموهن﴾ أي بحكم التوزيع، وقيل لابن عباس : إن ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ م يقول بصحة تعليق الطلاق قبل النكاح فقال : زلة علم - وتلا هذه الآية.
ولما كان المقصود نفي المسيس في هذا النكاح لا مطلقاً، وكانت العبرة في إيجاب المهر بنفس الوطىء لا بإمكانه وإن حصلت الخلوة، أدخل الجار فقال :﴿من قبل أن تسموهن﴾ أي تجامعوهن، أطلق المسّ على الجماع لأنه طريق له كما سمي الخمر إثماً لأنها سببه.
ولما كانت العدة حقاً للرجال قال :﴿فما لكم﴾ ولما كانت العدة واجبة، عبر بأداة الاستعلاء فقال :﴿عليهن﴾ وأكد النفي بإثبات الجار في قوله :﴿من عدة﴾ ودل على اعتيادهم ذلك ومبالغتهم فيه والمضاجرة به كما في الظهار بالافتعال فقال :﴿تعتدونها﴾ أي تتكلفون عدها وتراعونه، وروي عن ابن كثير من طريق البزي شاذاً بتخفيف الدال بمعنى تتكلفون الاعتداء بها على المطلقة.
ولما كان هذا الحكم - الذي معناه الانفصال - للمؤمنات اللاتي لهن صفات تقتضي دوام العشرة وتمام الاتصال، كان ذلك للكتابيات من باب الأولى، وفائدة التقييد الإرشاد إلى أنه لا ينبغي العدول عن المؤمنات بل ولا عن الصالحات من المؤمنات.