ولما قصره ـ ﷺ ـ عليهن، وكان قد تقدم إليهن بلزوم البيوت وترك ما كان عليه الجاهلية من التبرج، أرخى عليهن الحجاب في البيوت ومنع غيره ـ ﷺ ـ مما كانت العرب عليه من الدخول على النساء لما عندهم من الأمانة في ذلك، فقال مخاطباً لأدنى أسنان أهل هذا الدين لما ذكر في سبب نزولها، ولأن المؤمنين كانوا منتهين عن ذلك بغير ناه كما يدل عليه ما يأتي من قول عمر ـ رضى الله عنه ـ في الحجاب :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ أي ادعوا الإيمان صدقوا دعواكم فيه بأن ﴿لا تدخلوا﴾ مع الاجتماع، فالواحد من باب الأولى.
ولما كان تشويش الفكر ربما كان شاغلاً عن شيء مما يبنئ الله به كما أشار إليه قوله ـ ﷺ ـ " بينت لي ليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فأنسيتها " - أو كما قال ـ ﷺ ـ، عبر بصفة النبوة في قوله :﴿بيوت النبي﴾ أي الذي يأتيه الإنباء من علام الغيوب بما فيه غاية رفعته، في حال من الأحوال أصلاً ﴿إلا﴾ في حال ﴿أن يؤذن لكم﴾ أي ممن له الإذن في بيوته ـ ﷺ ـ منه أو ممن يأذن له في ذلك، منتهين ﴿إلى طعام﴾ أي أكله، حال كونكم ﴿غير ناظرين إناه﴾ أي وقت ذلك الطعام وبلوغه واستواءه للأكل، فمنع بهذا من كان يتحين طعام النبي ـ ﷺ ـ، لأن في ذلك تكليفاً له ـ ﷺ ـ بما يشق عليه جداً، فإنه ربما كان ثم من هو أحوج إلى ذلك الطعام من المتحين أو غير ذلك من الأعذار، فلا يتوجه الخطاب إلى غير أهل السن السافل، ومن وقعت له فلتة ممن فوق رتبتهم دخل في خطابهم بما أنزل من رتبته، والتعبير باسم الفاعل المجرد في " ناظرين " أبلغ في النهي.