وقال القرطبى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ﴾
فيه ست عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى :﴿ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ "أنْ" في موضع نصب على معنى : إلا بأن يؤذن لكم، ويكون الاستثناء ليس من الأول.
﴿ إلى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ﴾ نصب على الحال، أي لا تدخلوا في هذه الحال.
ولا يجوز في "غَيْر" الخفض على النعت للطعام، لأنه لو كان نعتاً لم يكن بدّ من إظهار الفاعلين، وكان يقول : غير ناظرين إناه أنتم.
ونظير هذا من النحو : هذا رجلٌ مع رجل ملازمٌ له، وإن شئت قلت : هذا رجلٌ مع رجلٍ ملازمٍ له هو.
وهذه الآية تضمّنت قصتين : إحداهما : الأدب في أمر الطعام والجلوس.
والثانية : أمر الحجاب.
وقال حماد بن زيد : هذه الآية نزلت في الثقلاء.
فأما القصة الأولى فالجمهور من المفسرين على أن سببها : أن رسول الله ﷺ لما تزوّج زينب بنت جحش امرأة زيد أوْلَم عليها، فدعا الناس، فلما طعموا جلس طوائف منهم يتحدّثون في بيت رسول الله ﷺ وزوجته موَلّية وجهها إلى الحائط، فثَقُلُوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أنس : فما أدري أأنا أخبرت النبيّ ﷺ أن القوم قد خرجوا أو أخبرني.
قال : فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه فألقى الستر بيني وبينه ونزل الحجاب.
قال : ووعظ القومَ بما وُعظوا به، وأنزل الله عز وجل :﴿ يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي إلى قوله إِنَّ ذلكم كَانَ عِندَ الله عَظِيماً ﴾ أخرجه الصحيح.
وقال قتادة ومقاتل في كتاب الثعلبيّ : إن هذا السبب جرى في بيت أم سلمة.
والأوّل الصحيح، كما رواه الصحيح.


الصفحة التالية
Icon