وليس ذكر الدعوة إلى طعام تقييداً لإباحة دخول بيوت النبي ﷺ لا يدخلها إلا المدعو إلى طعام ولكنه مثال للدعوة وتخصيص بالذكر كما جرى في القضية التي هي سبب النزول فيلحق به كل دعوة تكون من النبي ﷺ وكل إذن منه بالدخول إلى بيته لغير قصد أن يطعم معه كما كان يقع ذلك كثيراً.
ومن ذلك قصة أبي هريرة حين استقرأ من عمر آية من القرآن وهو يطمع أن يَدعوه عمر إلى الغدَاء ففتح عليه الآية ودخل فإذا رسول الله قائم على رأس أبي هريرة وقد عرف ما به فانطلق به إلى بيته وأمر له بعُسّ من لبن ثم ثانٍ ثم ثالث، وإنما ذكر الطعام إدماجاً لتبيين آدابه، ولذلك ابتدىء بقوله :﴿ غير ناظرين إناه ﴾ مع أنه لم يقع مثله في قصة سبب النزول.
وقرأ الجمهور ﴿ بيوت ﴾ بكسر الباء.
وقرأه أبو عمرو وورش عن نافع وحفص عن عاصم وأبو جعفر بضم الباء، وقد تقدم في سورة النساء وغيرها.
و﴿ إناه ﴾ بكسر الهمزة وبالقصر : إما مصدر أَنَى الشيءُ إذا حان، يقال : أنى يأنِي، قال تعالى :﴿ ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ﴾ [ الحديد : ١٦ ].
ومقلوبه : آن.
وهو بمعناه.
والمعنى : غير منتظرين حضور الطعام، أي غير سابقين إلى البيوت وقبْل تهيئته.
والاستثناء في ﴿ إلا أن يؤذن لكم ﴾ استثناء من عموم الأحوال التي يقتضيها الدخول المنهي عنه، أي إلا حال أن يؤذن لكم.
وضُمِّن ﴿ يؤذن ﴾ معنى تُدعون فعدي بـ ﴿ إلى فكأنه قيل : إلا أن تُدعَوْا إلى طعام فيؤذن لكم لأن الطفيلي قد يؤذن له إذا استأذن وهو غير مدعو فهي حالة غير مقصودة من الكلام.
فالكلام متضمن شرطين هما : الدعوة، والإِذن، فإن الدعوة قد تتقدم على الإذن وقد يقترنان كما في حديث أنس بن مالك.
وغير ناظرين ﴾
حال من ضمير ﴿ لكم ﴾ فهو قيد في متعلق المستثنى فيكون قيداً في قيدٍ فصارت القيود المشروطة ثلاثة.


الصفحة التالية
Icon