ولك أن تجعله من تنزيل غير المُتردد منزلة المتردد لأن حال النفَر الذين أطالوا الجلوس والحديث في بيت النبي عليه الصلاة والسلام وعدم شعورهم بكراهيته ذلك منهم حين دخل البيت فلما وجدهم خرج، فغفلوا عما في خروج النبي ﷺ من البيت من إشارة إلى كراهيتِهِ بقاءَهم، تلك حالة من يظن ذلك مأذوناً فيه فخوطبوا بهذا الخطاب تشديداً في التحذير واستفاقة من التغرير.
وإقحام فعل ﴿ كان ﴾ لإِفادة تحقيق الخبر.
وصيغ ﴿ يؤذي ﴾ بصيغة المضارع دون اسم الفاعل لقصد إفادة أذى متكرر، والتكرير كناية عن الشدة.
والأذى : ما يكدر مفعوله ويسيء من قول أو فعل.
وتقدم في قوله تعالى :﴿ لن يضروكم إلا أذى ﴾ في آل عمران ( ١١١ )، وهو مراتب متفاوتة في أنواعه.
والتفريع في قوله :﴿ فيستحيي منكم ﴾ تفريع على مقدر دلت عليه القصة.
والتقدير : فيهمّ بإخراجكم فيستحيي منكم إذ ليس الاستحياء مفرعاً على الإِيذاء ولا هو من لوازمه.
ودخول ﴿ مِن ﴾ المتعلقة بـ ﴿ يستحيي ﴾ على ضمير المخاطبين على تقدير مضاف، أي يستحيي من إعلامكم بأنه يؤذيه.
وتعدية المشتقات من مادة الحياء إلى الذوات شائع يساوي الحقيقة لأن الاستحياء يختلف باختلاف الذوات، فقولك : أردت أن أفعل كذا فاستحيت من فلان، يجوز أن تكون الحقيقة هي التعليق بذات فلان وأن تكون هي التعليق بالأحوال الملابسة له التي هي سبب الاستحياء لأجل ملابستها له.
ولك أن تقول : استحييت من أن أفعل كذا بمرأى من فلان.
وعلى التقدير الأول تكون ﴿ مِن ﴾ للتعليل، وعلى التقدير الثاني تكون ﴿ مِن ﴾ للابتداء.
وظاهر كلام "الكشاف" يقتضي أن : استحييت من فلان مجاز أو توسع، وأن : استحييت من فعل كذا لأجل فلان هو الحقيقة.
وظاهر كلام صاحب "الكشاف" عكس ذلك والأمر هيّن.
وصيغ فعل ﴿ يستحيي ﴾ بصيغة المضارع لأنه مفرع على ﴿ يؤذي النبي ﴾ ليدل على ما دل عليه المفرع هو عليه.


الصفحة التالية
Icon