وجملة ﴿ والله لا يستحيي من الحق ﴾ معطوفة على جملة ﴿ فيستحيي منكم ﴾ والمعنى : أن ذلك سوء أدب مع النبي ﷺ فإذا كان يستحيي منكم فلا يباشركم بالإِنكار ترجيحاً منه للعفو عن حقه على المؤاخذة به فإن الله لا يستحيي من الحق لأن أسباب الحياء بين الخلق منتفية عن الخالق سبحانه :﴿ والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ﴾ [ الأحزاب : ٤ ].
وصيغت الجملة المعطوفة على بناء الجملة الاسمية مخالِفةً للمعطوفة هي عليها فلم يقل : ولا يستحيي الله من الحق، للدلالة على أن هذا الوصف ثابت دائم لله تعالى لأن الحق من صفاته، فانتفاء ما يمنع تبليغه هو أيضاً من صفاته لأن كل صفة يجب اتصاف الله بها فإن ضدها يستحيل عليه تعالى.
والتعريف في ﴿ الحق ﴾ تعريف الجنس المراد منه الاستغراق مثل التعريف في ﴿ الحمد لله ﴾ [ الفاتحة : ٢ ].
والمعنى : والله لا يستحيي من جميع أفراد جنس الحق.
و﴿ الحق ﴾ : ضد الباطل.
فمنه حق الله وحق الإِسلام، وحق الأمة جمعاء في مصالحها وإقامة آدابها، وحق كل فرد من أفراد الأمة فيما هو من منافعه ودفع الضر عنه.
ويشتمل حقَ النبي ﷺ في بيته وأوقاته، وبهذا العموم في الحق صارت الجملة بمنزلة التذييل.
و﴿ مِن ﴾ في قوله :﴿ من الحق ﴾ ليست مثل ﴿ من ﴾ التي في قوله :﴿ فيستحيي منكم ﴾ لأن { مِن هذه متعينة لكونها للتعليل إذ الحق لا يُستحيَى من ذاته فمعنى إن الله لا يستحيي من الحق أنه لا يستحيي لبيانه وإعلانه.