وقد أفاد قوله : والله لا يستحيي من الحق } أن من واجبات دِين الله على الأمة أن لا يستحيي أحد من الحق الإِسلامي في إقامته، وفي معرفته إذا حل به ما يقتضي معرفته، وفي إبلاغه وهو تعليمه، وفي الأخذ به، إلا فيما يرجع إلى الحقوق الخاصة التي يرغب أصحابها في إسقاطها أو التسامح فيها مما لا يغمص حقاً راجعاً إلى غيره لأن الناس مأمورون بالتخلق بصفات الله تعالى اللائقة بأمثالهم بقدر الإِمكان.
وهذا المعنى فهمته أمُّ سُليم وأقرها النبي ﷺ على فهمها، فقد جاء في الحديث الصحيح :" عن أم سَلَمة قالت : جاءت أم سُليم إلى النبي فقالت : يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت؟ فقال رسول الله : نعم إذا رأت الماء ".
فهي لم تستح في السؤال عن الحق المتعلق بها، والنبي ﷺ لم يستححِ في إخبارها بذلك.
ولعلها لم تجد من يسأل لها أو لم تر لزاماً أن تستنيب عنها من يسأل لها عن حكم يخص ذاتها.
وقد رأى علي بن أبي طالب الجمع بين طلب الحق وبين الاستحياء، ففي "الموطأ" عن المقداد بن الأسود أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل له رسول الله ﷺ عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ قال علي : فإن عندي ابنة رسول الله وأنا أستحيي أن أسأله" الحديث.
على أن بين قضية أم سُليم وقضية علي تفاوتاً من جهات في مقتضى الاستحياء لا تخفى على المتبصر.
واعلمْ أن في ورود ﴿ يؤذي ﴾ هنا ما يبطل المثال الذي أورده ابن الأثير في كتاب "المثل السائر" شاهداً على أن الكلمة قد تروق السامعَ في كلام ثم تكون هي بعينها مكروهة للسامع.
وجاء بكلمة ﴿ يؤذي ﴾ في هذه الآية، ونظيرها ( تؤذي ) في قول المتنبي:
تَلذ له المروءة وهي تُوذي...


الصفحة التالية
Icon