روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله :"تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ" قالت : هذا في الواهبات أنفسهنّ.
قال الشعبيّ : هنّ الواهبات أنفسهنّ ؛ تزوّج رسول الله ﷺ منهنّ وترك منهنّ.
وقال الزُّهْري : ما علمنا أن رسول الله ﷺ أرجأ أحداً من أزواجه، بل آواهن كلهن.
وقال ابن عباس وغيره : المعنى في طلاق من شاء ممن حصل في عصمته، وإمساك من شاء.
وقيل غير هذا.
وعلى كلّ معنًى فالآية معناها التوسعة على رسول الله ﷺ والإباحة.
وما اخترناه أصح والله أعلم.
الثالثة : ذهب هبة الله في الناسخ والمنسوخ إلى أن قوله :﴿ تُرْجِي مَن تَشَآءُ ﴾ الآية، ناسخ لقوله :﴿ لاَّ يَحِلُّ لَكَ النسآء مِن بَعْدُ ﴾ [ الأحزاب : ٥٢ ] الآية.
وقال : ليس في كتاب الله ناسخ تقدّم المنسوخَ سوى هذا.
وكلامه يضعف من جهات.
وفي "البقرة" عدّة المتوفى عنها أربعة أشهر وعشر، وهو ناسخ للحول وقد تقدّم عليه.
الرابعة : قوله تعالى :﴿ وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ ﴾ "ابْتَغَيْت" طلبت ؛ والابتغاء الطلب.
و"عَزَلْت" أزلت ؛ والعزلة الإزالة، أي إن أردت أن تؤوي إليك امرأة ممن عزلتهن من القسمة وتضمّها إليك فلا بأس عليك في ذلك.
وكذلك حكم الإرجاء، فدلّ أحد الطرفين على الثاني.
الخامسة : قوله تعالى :﴿ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ﴾ أي لا ميل، يقال : جنحت السفينة أي مالت إلى الأرض.
أي لا ميل عليك باللوم والتوبيخ.
السادسة : قوله تعالى :﴿ ذَلِكَ أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ ﴾ قال قتادة وغيره : أي ذلك التخيير الذي خيّرناك في صحبتهن أدنى إلى رضاهن إذ كان من عندنا ؛ لأنهن إذا علمن أن الفعل من الله قرّت أعينهن بذلك ورضين ؛ لأن المرء إذا علم أنه لا حق له في شيء كان راضياً بما أوتي منه وإن قلّ.
وإن علم أن له حقًّا لم يقنعه ما أوتي منه، واشتدت غَيْرته عليه وعَظُمَ حرصه فيه.