ولما كانت المفارقة من حيث هي - ولا سيما إن كان فراقها لما فهم منها من كراهية يظن بها - أنها تكره الرجعة، أخبر سبحانه أن نساءه ـ ﷺ ـ على غير ذلك فقال :﴿ذلك﴾ أي الإذن لك من الله والإيواء العظيم الرتبة، لما لك من الشرف ﴿أدنى﴾ أي أقرب من الإرجاء ومن عدم التصريح بالإذن في القرآن المعجز، إلى ﴿أن تقر أعينهن﴾ أي بما حصل لهن من عشرتك الكريمة، وهو كناية عن السرور والطمأنينة ببلوغ المراد، لأن من كان كذلك كانت عينه قارة، ومن كان مهموماً كانت عينه كثيرة التقلب لما يخشاه - هذا إن كان من القرار بمعنى السكون، ويجوز أن يكون من القر الذي هو ضد الحر، لأن المسرور تكون عينه باردة، والمهموم تكون عينه حارة، فلذلك يقال للصديق : أقر الله عينك، وللعدو : أسخن الله عينك ﴿ولا يحزن﴾ أي بالفراق وغيره مما يحزن من ذلك ﴿ويرضين﴾ لعلمهن أن ذلك من الله لما للكلام من الإعجاز ﴿بما آتيتهن﴾ أي من الأجور وغيرها من نفقة وقسم وإيثار وغيرها.
ولما كان التأكيد أوقع في النفس وأنفى للبس، وكان هذا أمراً غريباً لبعده عن الطباع أكد فقال :﴿كلهن﴾ أي ليس منهن واحدة إلا هي كذلك راغبة فيك راضية بصحبتك إن آويتها أو أرجأتها لما لك من حسن العشرة وكرم الأخلاق ومحاسن الشمائل وجميل الصحبة، وإن اخترت فراقها علمت أن هذا أمر من الله جازم، فكان ذلك أقل لحزنها فهو أقرب إلى قرار عينها بهذا الاعتبار، وزاد ذلك تأكيداً لما له من الغرابة التي لا تكاد تصدق بقوله عطفاً على نحو ﴿فالله يعلم ما في قلوبهم﴾ :﴿والله﴾ أي بما له من الإحاطة بصفات الكمال ﴿يعلم﴾ أي علماً مستمراً لتعلق ﴿ما في قلوبكم﴾ أي أيها الخلائق كلكم، فلا بد إن علم ما في قلوب هؤلاء.