ذكر إيذاء الله وإيذاء الرسول وذكر عقيبه أمرين اللعن والتعذيب فاللعن جزاء الله، لأن من آذى الملك يبعده عن بابه إذا كان لا يأمر بعذابه، والتعذيب جزاء إيذاء الرسول لأن الملك إذا آذى بعض عبيده كبير يستوفي منه قصاصه، لا يقال فعلى هذا من يؤذي الله ولا يؤذي الرسول لا يعذب، لأنا نقول انفكاك أحدهما على هذا الوجه عن الآخر محال لأن من آذى الله فقد آذى الرسول، وأما على الوجه الآخر وهو أن من يؤذي النبي عليه السلام ولا يؤذي الله كمن عصى من غير إشراك، كمن فسق أو فجر من غير ارتداد وكفر، فقد آذى النبي عليه السلام غير أن الله تعالى صبور غفور رحيم فيجزيه بالعذاب ولا يلعنه بكونه يبعده عن الباب.
المسألة الثانية :
أكد العذاب بكونه مهيناً لأن من تأذى من عبده وأمر بحبسه وضربه فإن أمر بحبسه في موضع مميز، أو أمر بضربه رجلاً كبيراً يدل على أن الأمر هين، وإن أمر بضربه على ملأ وحبسه بين المفسدين ينبىء عن شدة الأمر، فمن آذى الله ورسوله من المخلدين في النار فيعذب عذاباً مهيناً، وقوله :﴿أَعَدَّ لَهُمْ﴾ للتأكيد لأن السيد إذا عذب عبده حالة الغضب من غير إعداد يكون دون ما إذا أعد له قيداً وغلا، فإن الأول يمكن أن يقال هذا أثر الغضب فإذا سكت الغضب يزول ولا كذلك الثاني.
وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (٥٨)


الصفحة التالية