وهذا الحديث يدل على أن لفظ الحسد قد يطلق على المنافسة، ثم نقول : المنافسة قد تكون واجبة ومندوبة ومباحة، أما الواجبة فكما إذا كانت تلك النعمة نعمة دينية واجبة كالإيمان والصلاة والزكاة، فههنا يجب عليه أن يحب له مثل ذلك، لأنه إن لم يحب ذلك كان راضياً بالمعصية وذلك حرام، وأما إن كانت تلك النعمة من الفضائل المندوبة كالإنفاق في سبيل الله والتشمير لتعليم الناس كانت المنافسة فيها مندوبة، وأما إن كانت تلك النعمة من المباحات كانت المنافسة فيها من المباحات، وبالجملة فالمذموم أن يحب زوالها عن الغير، فأما أن يحب حصولها له وزوال النقصان عنه فهذا غير مذموم، لكن ههنا دقيقة وهي أن زوال النقصان عنه بالنسبة إلى الغير له طريقان.
أحدهما : أن يحصل له مثل ما حصل للغير.
والثاني : أن يزول عن الغير ما لم يحصل له فإذا حصل اليأس عن أحد الطريقين فيكاد القلب لا ينفك عن شهوة الطريق الآخر، فههنا إن وجد قلبه بحيث لو قدر على إزالة تلك الفضيلة عن تلك الشخص لأزالها، فهو صاحب الحسد المذموم وإن كان يجد قلبه بحيث تردعه التقوى عن إزالة تلك النعمة عن الغير فالمرجو من الله تعالى أن يعفو عن ذلك، ولعل هذا هو المراد من قوله عليه السلام :" ثلاث لا ينفك المؤمن منهن، الحسد والظن والطيرة، ثم قال : وله منهم مخرج إذا حسدت فلا تبغ "، أي إن وجدت في قلبك شيئاً فلا تعمل به، فهذا هو الكلام في حقيقة الحسد وكله من كلام الشيخ الغزالي رحمة الله عليه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣ صـ ٢١٥ ـ ٢١٦﴾
فصل في مراتب الحسد
قال الفخر :
في مراتب الحسد، قال الغزالي رحمه الله هي أربعة.
الأولى : أن يحب زوال تلك النعمة وإن كان ذلك لا يحصل له وهذا غاية الحسد.