واعلم أن الحسد ربما أفضى إلى التنازع والتقاتل.
السبب الثاني : التعزز، فإن واحداً من أمثاله إذا نال منصباً عالياً ترفع عليه وهو لا يمكنه تحمل ذلك، فيريد زوال ذلك المنصب عنه وليس من غرضه أن يتكبر، بل غرضه أن يدفع كبره فإنه قد يرضى بمساواته ولكنه لا يرضى بترفعه عليه.
السبب الثالث : أن يكون في طبيعته أن يستخدم غيره فيريد زوال النعمة من ذلك الغير ليقدر على ذلك الغرض، ومن هذا الباب كان حسد أكثر الكفار للرسول عليه الصلاة والسلام إذ قالوا : كيف يتقدم علينا غلام يتيم وكيف نطأطيء له رؤوسنا ؟ فقالوا :﴿لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم﴾ [ الزخرف : ٣١ ] وقال تعالى يصف قول قريش :﴿أَهَؤُلاء مَنَّ الله عَلَيْهِم مّن بَيْنِنَا﴾ [ الأنعام : ٥٣ ] كالاستحقار بهم والأنفة منهم.
السبب الرابع : التعجب كما أخبر الله عن الأمم الماضية إذ قالوا :﴿مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرًا مّثْلَنَا﴾ [ إبراهيم : ١٠ ]، وقالوا :﴿أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عابدون﴾ [ المؤمنون : ٤٧ ]، ﴿وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لخاسرون﴾ [ المؤمنون : ٣٤ ] وقالوا متعجبين :﴿أَبَعَثَ الله بَشَرًا رَّسُولاً﴾ [ الإسراء : ٩٤ ] وقالوا :﴿لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْنَا الملئكة﴾ [ الفرقان : ٢١ ] وقال :﴿أوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ على رَجُلٍ مّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ﴾ [ الأعراف : ٦٣ ٦٩ ].