تشاهد الأبصارُ عظمتها إذ الأبصار لا ترى الكرة الأرضية كما قال تعالى :﴿ لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ﴾ [ الحشر : ٢١ ].
وقرينة الاستعارة حالية وهي عدم صحة تعلق العرض والإِباء بالسماوات والأرض
والجبال لانتفاء إدراكها فأنّى لها أن نختار وترفض، وكذلك الإنسان باعتبار كون المراد
منه جنسه وماهيته لأن الماهية لا تفاوض ولا تختار كما يقال : الطبيعة عمياء، أي لا
اختيار لها، أي للجبلة وإنما تصدر عنها آثارها قسراً.
ولذلك فأفعال ﴿ عَرضنا، أبَيْن، يحملنها، وأشفقن منها، وحملها ﴾ أجزاء للمركب
التمثيلي.
وهذه الأجزاء صالحة لأن يكون كل منها استعارة مفردة بأن يشبه إبداع الأمانة
في الإنسان وصرفها عن غيره بالعرض، ويشبه عدم مُصَحح مَواهي السماوات والأرض
والجبال لإِيداع الأمانة فيها بالإِباء، ويشبه الإِيداع بالتحميل والحمل، ويشبه عدم التلاؤم
بين مواهي السماوات والأرض والجبال بالعجز عن قبول تلك الكائنات إياها وهو المعبر
عنه بالإِشفاق، ويشبه التلاؤم ومُصحِّح القبول لإِيداع وصف الأمانة في الإِنسان بالحمل
للثقْل.
ومثل هذه الاستعارات كثير في الكلام البليغ.
وصلوحية المركب التمثيلي للانحلال
بأجزائه إلى استعارات معدود من كمال بلاغة ذلك التمثيل.
وقد عُدّت هذه الآية من مشكلات القرآن وتردد المفسرون في تأويلها تردداً دلّ على
الحيرة في تقويم معناها.
ومرجع ذلك إلى تقويم معنى العَرض على السماوات والرض
والجبال، وإلى معرفة معنى الأمانة، ومعرفة معنى الإِباء والإِشفاق.
فأما العرض فقد استبانت معانيه بما علمت من طريقة التمثيل.
وأما الأمانة فهي ما
يؤتمن عليه ويطالب بحفظه والوفاء دون إضاعة ولا إجحاف، وقد اختلف فيها المفسرون
على عشرين قولاً وبعضها متداخل في بعض، ولنبتدئ بالإٍِلمام بها ثم نعطف إلى
تمحيصها وبيانها.