وقال الشيخ الشنقيطى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ ﴾
ذكر جل وعلا في الآية الكريمة : أنه عرض الأمانة، وهي التكاليف مع ما يتبعها من ثواب وعقاب، على السماوات والأرض والجبال، وأنهن أبين أن يحملنها، وأشفقن منها : أي خفن من عواقب حملها أن ينشأ لهن من ذلك عذاب الله وسخطه، وهذا العرض والإباء، والإشفاق كله حق، وقد خلق الله للسماوات والأرض والجبال إدراكاً بعلمه هو جل وعلا، ونحن لا نعلمه، وبذلك الإدراك أدركت عرض الأمانة عليها، وأبت وأشفقت أي خافت.
ومثل هذا تدل عليه آيات وأحاديث كثيرة، فمن الآيات الدالة على إدراك الجمادات المذكورة قوله تعالى في سورة البقرة في الحجارة :﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله ﴾ [ البقرة : ٧٤ ] فصرح بأن من الحجارة ما يهبط من خشية الله، وهذه الخشية التي نسبها الله لبعض الحجارة بإدراك يعلمه هو تعالى.
ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى :﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السماوات السبع والأرض وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [ الإسراء : ٤٤ ] الآية. ومنها قوله تعالى :﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الجبال يُسَبِّحْنَ والطير وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٧٩ ] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.
ومن الأحاديث الصحيحة الدالة على ذلك قصة حنين الجذع، الذي كان يخطب عليه النبي ﷺ لما انتقل بالخطبة إلى المنبر، وهي في صحيح البخاري وغيره.