قوله تعالى :﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ فيه وجوه أحدها : أن المراد منه آدم ظلم نفسه بالمخالفة ولم يعلم ما يعاقب عليه من الإخراج من الجنة ثانيها : المراد الإنسان يظلم بالعصيان ويجهل ما عليه من العقاب ثالثها : إنه كان ظلوماً جهولا، أي كان من شأنه الظلم والجهل يقال فرس شموس ودابة جموح وماء طهور أي من شأنه ذلك، فكذلك الإنسان من شأنه الظلم والجهل فلما أودع الأمانة بقي بعضهم على ما كان عليه وبعضهم ترك الظلم كما قال تعالى :﴿الذين ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إيمانهم بِظُلْمٍ﴾ [ الأنعام : ٨٢ ] وترك الجهل كما قال تعالى في حق آدم عليه السلام :﴿وَعَلَّمَ ءادَمَ الأسماء كُلَّهَا﴾ [ البقرة : ٣١ ] وقال في حق المؤمنين عامة :﴿وَالراسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ﴾ [ آل عمران : ٧ ] وقال تعالى :﴿إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء﴾ [ فاطر : ٢٨ ] رابعها :﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ في ظن الملائكة حيث قالوا :﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾ [ البقرة : ٣٠ ] وبين علمه عندهم حيث قال تعالى :﴿أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء﴾ [ البقرة : ٣١ ] وقال بعضهم في تفسير الآية إن المخلوق على قسمين مدرك وغير مدرك، والمدرك منه من يدرك الكلي والجزئي مثل الآدمي، ومنه من يدرك الجزئي كالبهائم ثم تدرك الشعير الذي تأكله ولا تتفكر في عواقب الأمور ولا تنظر في الدلائل والبراهين، ومنه من يدرك الكلي ولا يدرك الجزئي كالملك يدرك الكليات ولا يدرك لذة الجماع والأكل، قالوا وإلى هذا أشار الله تعالى بقوله :﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الملائكة فَقَالَ أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَؤُلاء﴾ [ البقرة : ٣١ ] فاعترفوا بعدم علمهم بتلك الجزئيات والتكليف لم يكن إلا على مدرك الأمرين إذ له لذات بأمور جزئية، فمنع منها لتحصيل لذات حقيقية هي مثل لذة الملائكة بعبادة الله ومعرفته، وأما غيره فإن


الصفحة التالية
Icon