من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
قال عليه الرحمة :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾
هنا إضمار أي : أهل السموات والأرض والجبال.
وقيل أحياها وأعْقَلَها، وهو كقوله :﴿ ائتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ [ فصلت : ١١ ].
﴿ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا ﴾ : أي أبين أنْ تَخُنَّ فيها، ﴿ وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ ﴾ : أي خان فيها. وهم مراتب : فالكفار خانوا في الأصل الأمانة - وهي المعرفة - فكفروا. ومَنْ دُونَهم خانوا بالمعاصي، وبعضهم أَشَدُّ وبعضهم أهون، وكلُّ احتقب من الوِزْرِ مقدارَه.
ويقال " أبين " إِباءَ إشفاقٍ لا إِباء استكبارٍ، واستعفين... فعفا عنهن، وأعفاهن مِنْ حَمْلها.
﴿ وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ ﴾ : قَبِلَها ثم ما رعوها حقَّ رعايتها.. كلٌّ بقدره.
﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ بصعوبة حَمْلِ الأمانة في الحال، والعقوبة التي عليها في المآل. وقومٌ قالوا عَرَضَ الأمانةَ على السمواتِ والأرضِ وعَرَضَها على الإِنسان، فهن استعفين وهؤلاء لم يستعفوا ولم يراعوا.
ويقال : الأمانة القيام بالواجباتِ أصولها وفروعها.
ويقال : الأمانة التوحيد عقداً وحفظ الحدود جهداً.
ويقال : لمَّا حَمَلَ آدمُ الأَمانة وأولاده قال تعالى :﴿ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى الْبَرِّ وَالْبَحَرِ ﴾ [ الإسراء : ٧٠ ].. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
ويقال حمل الإنسانُ بالله لا بنَفْسِه. ويقال ظَلَمَ نَفْسَه حيث لم يُشْفِقْ مما أشفقت منه السمواتُ والأرضون. والظُلْمُ وَضْعْ الشيءِ في غير موضعه.