ثم أمر المؤمنين بما يتعلق بجانب الشفقة على الخلق واكتفى بذكر الزوجات المطلقات قبل المسيس لأنه إذا لزم الإحسان إليهنّ بمجرد العقد وهو المراد بالنكاح ههنا، فبالوطء يكون أولى وقد مر حمكهنّ في سورة البقرة. في قوله ﴿ وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ﴾ [ الآية : ٢٣٧ ] وذلك لأجل تشطير الصداق. وإنما أعاد ذكرهن ههنا لبيان عدم وجوب العدّة عليهن. وتخصيص المؤمنات بالذكر دون الكتابيات إيذان بأنهن أولى بتخيرهن للنطفة. وفي قوله ﴿ ثم طلقتموهن ﴾ تنبيه على أنه لا تفاوت في هذا الحكم بين قريبة العهد من النكاح وبين بعيدة العهد منه، فإذا لم تجب العدّة على البعيدة العهد فلأن لا تجب على القريبة العهد أولى. وقد يستدل بكلمة " ثم " على أن تعليق الطلاق بالنكاح لا يصح لأن المعية تنافي التراخى. وفي قوله ﴿ فما لكم عليهن ﴾ دليل على أن العدة حق واجب للرجال على النساء وإن كان لا يسقط بإسقاط لما فيها من حق الله تعالى أيضاً. ومعنى ﴿ تعتدونها ﴾ تستوفون عددها تقول : عددت الدراهم فاعتدها نحو : كلته فاكتاله. ثم عاد إلى تعليم النبي صلى الله عليه وسلم. وفائدة قوله ﴿ اللاتي آتيت أجورهن ﴾ وقوله ﴿ مما أفاء الله عليك ﴾ وقوله ﴿ اللاتي هاجرن معك ﴾ هي أن الله تعالى اختار لرسوله الأفضل الأولى، وذلك أن سوق المهر إليها عاجلاً أفضل من أن تمسيه وتؤجله. وكان التعجيل ديدن السلف ومن الناس من قال : ان النبي ﷺ كان يجب عليه إعطاء المهر لأن المرأة لها الامتناع إلى أن تأخذ مهرها، والنبي عليه السلام لم يكن يستوفي مالا يجب له كيف وإنه إذا طلب شيئاً حرم الامتناع على المطلوب منه. والظاهر أن طالب الوطء ولا سيما في المرة الأولى يكون هو الرجل لحياء المرأة، ولو طلب النبيّ ﷺ من المرأة التمكين قبل المهر لزم أن يجب وأن لا جيب، ولا كذلك أحدنا.


الصفحة التالية
Icon