﴿إن تبدوا﴾ أي : بألسنتكم وغيرها ﴿شيئاً﴾ أي : من ذلك أو غيره ﴿أو تخفوه﴾ في صدوركم ﴿فإن الله﴾ أي : الذي له جميع صفات الكمال ﴿كان﴾ أي : أزلاً وأبداً به هكذا كان الأصل، ولكنه أتى بما يعمه وغيره فقال ﴿بكل شيء﴾ أي : من ذلك وغيره ﴿عليماً﴾ فهو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم وإن بالغتم في كتمه فيجازي عليه من ثواب وعقاب، وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود مزيد تهويل ومبالغة في الوعيد.
ولما نزلت آية الحجاب قال : الآباء والأبناء والأقارب ونحن أيضاً نكلمهن من وراء حجاب فنزل قوله تعالى:
﴿لا جناح﴾ أي : لا إثم ﴿عليهن في آبائهن﴾ دخولاً وخلوة من غير حجاب سواء كان الأب من النسب أو من الرضاع ﴿ولا أبنائهن﴾ أي : من البطن أو الرضاعة ﴿ولا إخوانهن﴾ لأن عارهنّ عارهم فلا فرق أن يكونوا من النسب أو الرضاع ﴿ولا أبناء إخوانهن﴾ فإنهن بمنزلة آبائهم ﴿ولا أبناء أخواتهن﴾ فإنهن بمنزلة أمهاتهم وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بإبدال الهمزة الثانية ياء خالصة في الوصل وحققها الباقون وفي الابتداء بالثانية الجميع بالتحقيق ﴿ولا نسائهن﴾ أي : المسلمات القربى منهن والبعدى بمنزلة واحدة، وأما الكافرات فهن بمنزلة الأجانب من الرجال لكن رجح النووي أنه يجوز أن تنظر منها ما يبدو عند المهنة ﴿ولا ما ملكت أيمانهن﴾ من العبيد لأنهم لما لهنّ عليهم من السلطان يبعد منهم الريبة هيبة لهن مع مشقة الاحتجاب عنهم.
تنبيه : قدم تعالى الآباء ؛ لأن اطلاعهم على بناتهم أكثر وكيف وهم قد رأوا جميع بدن البنات في حال صغرهن، ثم الأبناء ثم الإخوة وذلك ظاهر، وإنما الكلام في بني الإخوة حيث قدّمهم الله تعالى على بني الأخوات، لأن بني الأخوات آباؤهم ليسوا بمحارم خالات أبنائهم وبني الإخوة آباؤهم محارم، ففي بني الأخوات مفسدة ما، وهي أن الابن ربما يحكي خالته عند أبيه وهو ليس بمحرم ولا كذلك في بني الإخوة.


الصفحة التالية
Icon