وفي مبتدأ الخبر في التنزيل أنه عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال حتى ظهر الإباء منهم، ثم ذكر أن الإنسان حملها، أي من قِبَل نفسه لاَ أنه حمِّل ذلك، فسماه "ظَلُوماً" أي لنفسه، "جَهُولاً" بما فيها.
وأما الآثار التي هي بخلاف ما ذكر، فحدّثني أبي رحمه الله قال حدثنا الفيض بن الفضل الكوفي حدثنا السّرِيّ بن إسماعيل عن عامر الشّعبيّ عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال : لما خلق الله الأمانة مثّلها صخرة، ثم وضعها حيث شاء، ثم دعا لها السموات والأرض والجبال ليحمِلْنها، وقال لهن : إنّ هذه "الأمانة"، ولها ثواب وعليها عقاب ؛ قالوا : يا ربّ، لا طاقة لنا بها ؛ وأقبل الإنسان من قَبْل أن يدعى فقال للسموات والأرض والجبال : ما وقوفكم؟ قالوا : دعانا ربنا أن نحمل هذه فأشفقن منها ولم نطقها ؛ قال : فحركها بيده وقال : والله لو شئت أن أحملها لحملتها ؛ فحملها حتى بلغ بها إلى ركبتيه، ثم وضعها وقال : والله لو شئت أن أزداد لازْدَدْتُ ؛ قالوا : دونك! فحملها حتى بلغ بها حِقْوَيه، ثم وضعها وقال : والله لو شئت أن أزداد لازْدَدْتُ ؛ قالوا : دونك، فحملها حتى وضعها على عاتقه، فلما أهوى ليضعها، قالوا : مكانك! إن هذه "الأمانة" ولها ثواب وعليها عقاب، وأمرنا ربنا أن نحملها فأشفقن منها، وحملتها أنت من غير أن تدعى لها، فهي في عنقك وفي أعناق ذرّيتك إلى يوم القيامة، إنك كنت ظلوماً جهولاً.
وذكر أخباراً عن الصحابة والتابعين تقدم أكثرها.
﴿ وَحَمَلَهَا الإنسان ﴾ أي التزم القيام بحقها، وهو في ذلك ظلوم لنفسه.
وقال قتادة : للأمانة، جهول بقدر ما دخل فيه.
وهذا تأويل ابن عباس وابن جُبير.
وقال الحسن : جهول بربه.
قال : ومعنى "حملها" خان فيها.
وقال الزجاج : والآية في الكافر والمنافق والعصاة على قدرهم على هذا التأويل.