﴿ ثم لا يجاورونك فيها ﴾ : أي في المدينة، و﴿ ثم لا يجاورونك ﴾ معطوف على ﴿ لنغرينك ﴾، ولم يكن العطف بالفاء، لأنه لم يقصد أنه متسبب عن الإغراء، بل كونه جواباً للقسم أبلغ.
وكان العطف بثم، لأن الجلاء عن الوطن كان أعظم عليهم من جميع ما أصيبوا، به فتراخت حالة الجلاء عن حالة الإغراء.
﴿ إلا قليلاً ﴾ : أي جواراً قليلاً، أو زماناً قليلاً، أو عدداً قليلاً، وهذا الأخير استثناء من المنطوق، وهو ضمير الرفع في ﴿ يجاورونك ﴾، أو ينتصب قليلاً على الحال، أي إلا قليلين، والأول استثناء من المصدر الدال عليه ﴿ يجاورونك ﴾، والثاني من الزمان الدال عليه ﴿ يجاورونك ﴾، والمعنى : أنهم يضطرون إلى طلب الجلاء عن المدينة خوف القتل.
وانتصب ﴿ ملعونين ﴾ على الذم، قاله الطبري ؛ وأجاز ابن عطية أن يكون بدلاً من ﴿ قليلاً ﴾، قال : هو من إقلاء الذي قدرناه ؛ وأجاز هو أيضاً أن يكون حالاً من الضمير في ﴿ يجاورونك ﴾، قال : كأنه قال : ينتفون من المدينة معلونين، فلا يقدر ﴿ لا يجاورونك ﴾، فقدر ينتفون حسن هذا. انتهى.
وقال الزمخشري، والحوفي، وتبعهما أبو البقاء : يجوز أن يكون حالاً من الضمير في ﴿ لا يجاورونك ﴾، كما قال ابن عطية.
قال الزمخشري : وهذا نصه ملعونين، نصب على الشتم أو الحال، أي لا يجاورونك، إلا ملعونين.
دخل حرف الاستثناء على الظرف والحال معاً، كما مر في قول :﴿ إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ﴾، ولا يصح أن ينتصب من أخذوا، لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها. انتهى.
وتقدم الكلام معه في مجيء الحال مما قبل إلا مذكورة بعد ما استثنى بإلا، فيكون الاستثناء منصباً عليهما، وأن جمهور البصريين منعوا من ذلك.
وأما تجويز ابن عطية أن يكون بدلاً، فالبدل بالمشتق قليل.