وتعقب بأن جعل الأمانة التي شأنها أن تكون من جهته تعالى عبارة عن الطاعة التي هي من أفعال المكلفين التابعة للتكليف بمعزل عن التقريب وإن حمل الكلام على التقرير بالوجه الذي قرر يأباه وصف الإنسان بالظلم والجهل أولاً وتعليل الحمل بتعذيب فريق والتوبة على فريق ثانياً، وقد يقال : مراد ذلك القائل أن الأمانة هي الطاعة من حيث أمره عز وجل بها وأن قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ كَانَ ﴾ الخ على معنى أنه كان كذلك إن لم يراع حقها فتأمل.
وأخرج ابن جرير.
وغيره عن ابن عباس أن الأمانة الفرائض وروى نحوه عن سعيد بن جبير.
وهو غير ما ذكر أولاً بناء على أن التكليفات الشرعية مراد بها المعنى المصدري دون اسم المفعول، وقيل : الصلاة فقد روى عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه كان إذا دخل وقت الصلاة اصفر وجهه الشريف وتغير لونه فسئل عن ذلك فقال : إنه دخل على وقت أمانة عرضها الله تعالى على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وقد حملتها أنا مع ضعفي فلا أدري كيف أؤديها، وحكى السفيري أنها الغسل من الجنابة، وقيل : الصلاة والصيام والغسل من الجنابة فقد أخرج عبد الرزاق.
وعبد بن حميد عن زيد بن أسلم قال :"قال رسول الله ﷺ :" الأمانة ثلاثة الصلاة والصيام والغسل من الجنابة " وفي رواية عن السدي والضحاك أنها أمانات الناس المعروفة والوفاء بالعهود.
وقيل هي أن لا تغش مؤمناً ولا معاهداً في شيء قليل ولا كثير، وقيل : هي كلمة التوحيد لأنها المدار الأعظم للتكليفات الشرعية.
وقيل هي الأعضاء والقوى، فقد أخرج ابن أبي الدنيا في الورع.
والحكيم الترمذي عن عبد الله بن عمر ورضي الله تعالى عنهما قال :"أول ماخلق الله تعالى من الإنسان فرجه ثم قال هذه أمانتي عندك فلا تضعها إلا في حقها فالفرج أمانة والسمع أمانة والبصر أمانة".


الصفحة التالية
Icon