أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : لما خلق الله تعالى السماوات والأرض عرض عليهن الأمانة فلم يقبلنها فلما خلق آدم عليه السلام عرضها عليه فقال : يا رب وما هي؟ قال سبحانه : هي إن أحسنت أجرتك وأن أسأت عذبتك قال : فقد تحملت يا رب فما كان بين أن تحملها إلى أن أخرج إلا قدر ما بين الظهر والعصر، وكأني بك تختار من هذه الأقوال أن العرض على تقدير كونه بعد إعطائهم الفهم والتمييز كان بمسمع من آدم عليه السلام وأنه بعد أن سمع الاباء حملته الغيرة على الحمل، وربما يفضي بك هذا إلى اختيار القول بأنه حمل الأمانة بدون عرضها عليه كما هو ظاهر الآية وبه يتأكد وصفه بما وصف لكني لا أظنك تقول بصحة حديث تمثل الأمانة بصخرة وإن قلت بصحة تمثل المعاني بصور الأجسام كما ورد في حديث ذبح الموت وغيره، وأنا لا أميل إلى القول بأن المراد بالإنسان آدم عليه السلام وإن كان أول أفراد الجنس ومبدأ سلسلتها لمكان ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ [ الأحزاب : ٧٢ ] فإنه يبعد غاية البعد وصف صفي الله عز وجل بنص ﴿ إِنَّ الله اصطفى آدَمَ ﴾ [ آل عمران : ٣٣ ] بمزيد الظلم والجهل ؛ وكون المعنى كان ظلوماً جهولاً بزعم الملائكة عليهم السلام قول بارد، وحمله على معنى كان ظلوماً لنفسه حيث حملها على ضعفه ما أبت الأجسام القوية حمله جهولاً بقدر ما دخل فيه أو بعاقبه ما تحمل لا يزيل البعد، ولا استحسن كون المراد كان من شأنه لو خلى ونفسه ذلك كما قيل :
الظلم من شيم النفوس فإن تجد...
ذا عفة فلعلة لا يظلم


الصفحة التالية
Icon