ووصف الجنس بصيغتي المبالغة لكثرة الأفراد المتصفة بالظلم والجهل منه وإن لم يكونا فيها على وجه المبالغة بل لا يخلو فرد من الأفراد عن الاتصاف بظلم ما وجهل ما، ولا يجب في وصف الجنس بصيغة المبالغة تحقق تلك الصفة في الأفراد كلاً أو بعضاً على وجه المبالغة، نعم إن تحقق ذلك فهو زيادة خير، كما فيما نحن فيه فإن أكثر أفراد الإنسان في غاية الظلم ونهاية الجهل، ولعل المراد بظلوم جهول من شأنه الظلم والجهل وأن قوله تعالى :﴿ لّيُعَذّبَ ﴾ الخ متعلق بعرضنا على أنه تعليل له، وفي الكلام التفات لا يخفى، وتقديم التعذيب لأنه أوفق بصفتي الظلم والجهل، وقيل : لأن الأمانة من حكمها اللازم أن خائنها يضمن وليس من حكمها أن حافظها يؤجر، ومقابلة التعذيب بالتوبة دون الإثابة أو الرحمة للإشارة إلى أن في المؤمنين والمؤمنات من يصدر منه ما يصح أن يعذب عليه ومع ذلك لا يعذب، وفيه إشعار بأنه لا يعذب على كل ظلم وجهل وفي هذا من إدخال السرور على المؤمنين والكآبة على أضدادهم ما فيه، وأيضاً أن ذلك أوفق بظاهر قوله تعالى :﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ﴾ وقيل لم يعتبر بالإثابة لأنها علمت من قوله سبحانه :﴿ وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ [ الأحزاب : ٧١ ] فعبر بما ذكر للتنبيه على أن ذلك بمحض الفضل وهو كما ترى، وقيل إن ذاك لأن التذييل متكفل بإفادة رحمتهم وإثابتهم.
وقرأ الحسن كما ذكر صاحب اللوامح "ويتوب" بالرفع على الاستئناف ﴿ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً ﴾ أي مبالغاً في المغفرة والرحمة حيث تاب على المؤمنين والمؤمنات وغفر لهم فرطاتهم وأثابهم بالفوز العظيم على طاعاتهم نسأل الله تعالى أن يتوب علينا ويغفر لنا ويثيبنا بالفوز العظيم إنه جل جلاله وعم نواله غفور رحيم. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٢٢ صـ ﴾