والسديد مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض، والظاهر من الآية أنه أمرهم بأن يقولوا قولاً سديداً في جميع ما يأتونه ويذرونه فلا يخص ذلك نوعاً دون نوع، وإن لم يكن في اللفظ ما يقتضي العموم فالمقام يفيد هذا المعنى ؛ لأنه أرشد سبحانه عباده إلى أن يقولوا قولاً يخالف قول أهل الأذى.
ثم ذكر ما لهؤلاء الذين امتثلوا الأمر بالتقوى والقول السديد من الأجر فقال :﴿ يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالكم ﴾ أي يجعلها صالحة لا فاسدة بما يهديهم إليه ويوفقهم فيه ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ أي يجعلها مكفرة مغفورة ﴿ وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ ﴾ في فعل ما هو طاعة واجتناب ما هو معصية ﴿ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾ أي ظفر بالخير ظفراً عظيماً، ونال خير الدنيا والآخرة، وهذه الجملة مستأنفة مقرّرة لما سبقها.
ثم لما فرغ سبحانه من بيان ما لأهل الطاعة من الخير بعد بيان ما لأهل المعصية من العذاب بين عظم شأن التكاليف الشرعية وصعوبة أمرها، فقال :﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الأمانة عَلَى السموات والأرض والجبال فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا ﴾.
واختلف في تفسير هذه الأمانة المذكورة هنا، فقال الواحدي : معنى الأمانة هاهنا في قول جميع المفسرين : الطاعة والفرائض التي يتعلق بأدائها الثواب وبتضييعها العقاب.
قال القرطبي : والأمانة تعمّ جميع وصائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور.
وقد اختلف في تفاصيل بعضها، فقال ابن مسعود : هي في أمانة الأموال كالودائع وغيرها، وروي عنه : أنها في كل الفرائض : وأشدها أمانة المال.
وقال أبيّ بن كعب : من الأمانة أن ائتمنت المرأة على فرجها.
وقال أبو الدرداء : غسل الجنابة أمانة، وإن الله لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيرها.
وقال ابن عمر : أوّل ما خلق الله من الإنسان فرجه، وقال : هذه أمانة استودعكها، فلا تلبسها إلاّ بحق، فإن حفظتها حفظتك.


الصفحة التالية
Icon