وقيل : المراد بالأمانة الطاعة التي تعمّ الطبيعة والاختيارية ؛ لأنها لازمة الوجود، كما أن الأمانة لازمة الأداء، وبعرضها : استدعاؤها الذي يعم طلب الفعل من المختار، وإرادة صدوره من غيره - وبحملها، والخيانة فيها والامتناع عن أدائها، فيكون الإباء امتناعاً عن الخيانة وإتياناً بالمراد، فالمعنى أن هذه الأجرام مع عظمها وقوتها، أبَيْن الخيانة وانقدن لأمره تعالى انقياد مثلها، حيث لم تمتنع على مشيئته وإرادته إيجاداً وتكويناً وتسوية، وعلى هيئات مختلفة وأشكال متنوعة، كما قال :﴿ قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ﴾ [ فصلت : ١١ ]، وخانها الْإِنْسَاْن حيث لم يأت - وهو حيوان عاقل صالح للتكيف - بما أمرناه به ؛ إنه كان ظلوماً جهولاً، وإرادة الخيانة من حملها، هو بتشبيه الأمانة قبل أدائها بحمل يحمله، كما يقال : ركبته الديون. وقرره الزمخشري بقوله : وأما حمل الأمانة فمن قولك : فلان حامل للأمانة ومحتمل لها ؛ تريد أنه لا يؤديها إلى صاحبها حتى تزول عن ذمته، ويخرج عن عهدتها ؛ لأن الأمانة كأنها راكبة للمؤمنين عليها، وهو حاملها، ألا تراهم يقولون : ركبته الديون، ولي عليه حق. فإذا أداها لم تبق راكبة له ولا هو حاملاً لها، ومنه قولهم : أبغض حق أخيك ؛ لأنه إذا أحبه لم يخرجه إلى أخيه ولم يؤده، وإذا أبغضه أخرجه وأداه فمعنى :﴿ فَأَبْيِنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَاْ ﴾ :﴿ وَحَمَلَهَا الْإِنْسَاْن ﴾ فأبين إلا أن يؤدينها، وأبى الْإِنْسَاْن إلا أن يكون محتملاً لها لا يؤديها، ثم وصفه بالظلم لكونه تاركاً لأداء الأمانة، وبالجهل لإخطائه ما يسعده مع تمكنه منه، وهو أداؤها. انتهى ملخصاً.