وذهب جمع إلى أن ذلك من باب المجاز، كما بينه ابن أبي الحديد في " شرح نهج البلاغة " وسبقه الزمخشري حيث قال : ونحو هذا من الكلام كثير في لسان العرب، وما جاء القرآن إلا على طرقهم وأساليبهم، ومن ذلك قولهم : لو قيل للشحم أين تذهب ؟، لقال أسوي العوج. وكم وكم لهم من أمثال على ألسنة البهائم والجمادات، وتصور مقاولة الشحم محال، ولكن الغرض أن السمن في الحيوان مما يحسن قبيحه، كما أن العجف مما يقبح حسنه. فصور أثر السمن فيه تصويراً هو أوقع في نفس السامع، وهي به آنس، وله أقبل، وعلى حقيقته أوقف، وكذلك تصوير عظم الأمانة، وصعوبة أمرها وثقل محملها والوفاء بها. انتهى.
الثالثة - قال الرازي : إن قال قائل : لم قدم التعذيب على التوبة - في آخر الآية ؟ نقول : لما سمي التكليف أمانة، والأمانة من حكمها اللازم أن الخائن يضمن، وليس من حكمها اللازم أن الأمين الباذل جهده يستفيد أجرة، فكان التعذيب على الخيانة كاللازم، والأجر على الحفظ إحسان، والعدل قبل الإحسان.
الرابعة - ورد في تعظيم الأمانة عدة أحاديث :
منها عن أبي هريرة مرفوعاً :< أدّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك >. رواه أبو داود والترمذي، وعن عبد الله بن عَمْرو بن العاص مرفوعاً :< أربع، إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طعمة >. رواه الإمام أحمد والطبراني، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم، لمن سأل عن الساعة :< إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة >. قال : كيف إضاعتها ؟ يا رسول الله ! قال :< إذا وسد الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة >.