أردت إثباته هنا تعزيزاً للمقام، ونصه : في ختم السورة بهذه الآية من البدائع ما يسميه علماء البديع " رد العجز على الصدر " ذلك أن طليعة هذه السورة كانت في ذم المنافقين وقص مخازيهم ونواياهم السيئة ضد الرسول وأصحابه في غزوة الأحزاب، وهي غزوة الخندق، أَبَان الحق تعالى أثر ما ذكر من الأمر بالتقوى وعدم إطاعة المنافقين، وما كانوا يخوضون فيه من قصة التبني ونحوها، أنهم كانوا أعطوا العهود والمواثيق أنهم إن قاتلوا لا يفروا، وذلك في قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [ الأحزاب : ١٦ ]، فلما خانوا أماناتهم بالفرار والتعويق لإخوانهم، والتثبيط لهم وما كان من شنائعهم في تلك الغزوة، بين الله تعالى في خاتمة السورة، شأن الأمانة، وعظم خطرها، وأنها عند الله بمكان عظيم ؛ وذلك لأن من أعطى من نفسه موثقاً، عاهد الله عليه فاطمأنت به النفوس ووثقت به، وركنت إليه وأدرجته في عداد من يشد أزرها، فإذا هو غادر خائن كاذب متلاعب، يتخذ عهود الله هزؤاً ولعباً، فيخذل من وثق به، ويمالئ العدو عليه ويثبط من يرجى منه نوع معونة، ويوقع الأراجيف ليوهي العزائم ويضعف الهمم، فتكثر القالة وترتبك العامة فما أسوأ ما يأتي به، وما أفظع ما أرتكب وما أعظم جريمته !.