جَزَانِي الزُّهدَمَانِ جَزَاء سَوء وكنتُ المرءَ أُجْزَى بالكَرَامَهْ١
فأما قراءة ابن جندب :" وَهَلْ يُجْزَى إِلَّا الْكَفُور" فوجهه أنه إذا كان عن الحسنة عشرا فذلك تفضل، وليس جزاء، وإنما الجزاء في تعادل العمل والثواب عنه. ولله در جرير وعذوبته قال :
يا أُمَّ عمرٍو جَزاكِ اللهُ صالِحَةً رُدِّي عَلَيَّ فُؤادِي كالذِي كَانَا٢
وقال أبو حاتم "وَهَلْ يجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ"، بالنصب قراءة قتادة وابن وثاب والنخعي، في جماعة ذَكَرَهم.
ومن ذلك قراءة ابن عباس ومحمد بن علي ابن الحنفية وابن يعمر بخلاف والكلبي وعمرو ابن فائد :"رَبُّنَا" - رفع - "بَعَّدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا"٣، رفع الباء على الخبر، وفتح الباء من "بعد" والعين، ونصب النون من "بين".
وقرأ :"رَبَّنَا بَعُدَ"، بفتح الباء والدال، وضم العين "بَيْنَ أَسْفَارِنَا" - ابن يعمر وسعيد ابن أبي الحسن ومحمد بن السميفع وسفيان بن حسين٤ - بخلاف - والكلبي، بخلاف.
وقرأ :"رَبَّنَا بَاعَدَ بَيْنَ أَسْفَارِنَا" - ابن عباس وابن يعمر ومحمد بن علي وأبو رجاء والحسن - بخلاف - وأبو صالح وسلام ويعقوب وابن أبي ليلى والكلبي.
قال أبو الفتح : أما "بَعَّدَ" و"بَاعَدَ بَيْنَ أَسْفَارِنَا" فإن "بين" فيه منصوب نصب المفعول به، كقولك : بَعَّدَ وبَاعَدَ مسافة أسفارنا، وليس نصبه على الظرف. يدلك على ذلك قراءة من قرأ :"بَعُدَ بَيْنُ أَسْفَارِنَا"، كقولك : بَعُدَ مَدَى أسفارِنا، فرفعُه دليل كونه اسمًا، وعليه قوله :

١ لقيس بن زهير، والزهدمان : أخوان من بني عبس. قال ابن الكلبي : هما زهدم وقيس ابنا حزن بن وهب بن عوير بن رواحة بن ربيعة بن مازن بن الحارث بن قطيعة بن عبس بن بغيض. وهما اللذان أدركا حاجب بن زرارة بوم جبلة ليأسراه، فغلبهما عليه مالك ذو الرقيبة القشيري. وقيل : هما زهدم وكردم ابنا جزء. ويروى "يجزى" مكان "أجزى" وانظر اللسان "زهدم".
٢ روي "مغفرة" مكان "صالحة". وانظر الديوان : ٥٩٤.
٣ سورة سبأ : ١٩.
٤ هو سفيان بن حسين بن حسن السلمي مولى عبد الله بن خازم الواسطي، أبو محمد. روى عن ابن سيرين والحكم بن عتيبة، وروى عنه شعبة وعباد بن العوام وغيرهما. وثقه ابن معين والنسائي. مات في خلافة المهدي. الخلاصة : ١٢٣.


الصفحة التالية
Icon