فمنذ افتتاح السورة وهي تفتح على هذا الكون الهائل ; وعلى صحائفه وما فيها من آيات الله، وعلى مجالي علمه اللطيف الشامل الدقيق الهائل: (يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها)..(وقال الذين كفروا: لا تأتينا الساعة. قل: بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين)..
والذين يكذبون بالآخرة يتهددهم بأحداث كونية ضخمة:(أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض ؟ إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء. إن في ذلك لآية لكل عبد منيب)..
والذين يعبدون من دون الله ملائكة أو جناً يقفهم وجهاً لوجه أمام الغيب المرهوب في الملأ الأعلى:(ولاتنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له. حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم ؟ قالوا: الحق. وهو العلي الكبير)..
أو يواجههم بالملائكة في ساحة الحشر حيث لا مجال للمواربة والمجادلة: (ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملائكة: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون)... الخ.
والمكذبون لرسول الله ( ﷺ ) الذين يتهمونه بالافتراء أو أن به جنة يقفهم أمام فطرتهم، وأمام منطق قلوبهم بعيداً عن الغواشي والمؤثرات المصطنعة:(قل: إنما أعظكم بواحدة. أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا. ما بصاحبكم من جنة. إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد)..
وهكذا تطوف السورة بالقلب البشري في تلك المجالات المتنوعة، وتواجهه بتلك المؤثرات الموحية الموقظة. حتى تنتهي بمشهد عنيف أخاذ من مشاهد القيامة كما أسلفنا..
ويجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في تلك المجالات وتحت تلك المؤثرات في جولات قصيرة متلاحقة متماسكة ; يمكن تقسيمها إلى خمسة أشواط لتيسير عرضها وشرحها. وإلا فإنه ليس بينها فواصل تحددها تحديداً دقيقاً.. وهذا هو طابع السورة الذي يميزها. أ هـ ﴿الظلال حـ ٥ صـ ٢٨٨٨ ـ ٢٨٩٠﴾